سرمد الطائي سمعت تفاصيل "هلع" اخافتني لاول مرة. ولاحظنا جميعا ان قائمة المغضوب عليهم تكبر، وصراع السلطة يترجم نفسه على شكل تدفق كثيف لمذكرات الاعتقال وطلبات رفع الحصانة عن النواب. ومطالبة القضاء بترجمة الصراع السياسي بهذا النحو تضعه في موقف حرج، فهو مطالب بأن يتعامل بمهنية مع اوراق تحقيق واتهامات واعترافات لن تكون مهنية بالضرورة. وفي الوقت نفسه يدرك القضاء ان جميع الاطراف المعنية لن تصدق حزمة التحقيقات والاعترافات،
وبالتالي فإن القول بأن القضاء محايد يشبه مزحة خفيفة الظل، ليس لان قضاءنا مسيس باختياره، بل لان القضاء لدينا محتار بطبقة سياسية تجند كل مناحي الدولة في اطار صراعها السياسي.لم استغرب لسماع ان كهرباء الوزيرية مسيسة كما يقول مسؤول مولدة الحي، وان بناء كل هذا العدد من الملاعب مسيس كما يزعم خبير رياضي، بل واستيراد طماطم ايران وسوريا مسيس هو الاخر، كما ان مقولة "العدل الالهي" تخضع للمعيار نفسه على لسان علي الاديب. وبالتالي فإن القضاء امام كمية هائلة من التسييس، ومن غير العملي ولا المنطقي ان نطلب منه ان يكون ملاكا قادما من الكوكب رقم 162 بمناعة اسطورية ازاء وباء يكتسح كل شيء.انني اقرأ كلام الصحف حول انهمار مذكرات رفع الحصانة واضعا يدي على قلبي. هل صحيح ما يقوله سكان المنطقة الخضراء الهلعين هذه الايام؟ احدهم قال لي انه مرعوب. لماذا يا ساتر؟ اجاب: كلنا خائف وصراع السلطة يوشك ان ينفلت، بعدل الهي مرة، وبحكومة اغلبية فاشلة تارة اخرى، وبمذكرات اعتقال ثالثة.. حتى ان الجميع داخل المنطقة الخضراء يقومون بتغيير حماياتهم. اننا نشاهد حمايات جديدة كل الجدة وشبابا مراهقين لا يتعرفون حتى على الوزراء. لقد صرنا نتعرض للتفتيش 5 مرات في اليوم حالنا حال الساكن خارج اسوار السلطة، والثقة تتضاءل اكثر حتى بين الاخ واخيه، والسلطان يقرأ كل يوم تقارير عن 5 انقلابات، والجنرال يضخ في عقله امكانيات التآمر.. نحن خائفون، وساعد الله كل قاض يطلب منه ان يصدر حكما بحق سين او صاد وسط جو مكهرب غامض. انتهى تصريح صديقي نزيل دار الامارة.استرجع حديث القضاء عن مذكرات رفع الحصانة. احداها تتعلق بالشيخ صباح. هذا الساعدي الشاب الذي يثير حماستي رغم اعتراض احيانا على "راديكاليته السياسية". لكنه يخرج حقا من عباءة الطائفة والتشدد الديني، ويتحدث عن العدل، ويتمتع بالمرونة الايديولوجية حين يتعامل مع امثالي "المارقين".الثانية تتعلق بحيدر الملا المحامي الذي كان يثير غضب خصومه ولايثير حماسي الا حين يتكلم اثناء تملص الآخرين، ولكن دون ان يحسن التصويب، حاله حال العملية السياسية، ومن الصعب ان نطالبه بأداء افضل كما يبدو. كان هذا حكمي عليه منذ التقيته يوم توكل محاميا يدافع عن قناة الجزيرة في حكومة اياد علاوي الذي امر بإغلاق المحطة القطرية.سليم الجبوري الذي ينتظر رفع الحصانة هو محام من نوع آخر يشبه صباح الساعدي في مرونته الايديولوجية وانتقاده للسلطة ولكن بلهجة اخف، ولعله اكثر نواب البرلمان تحليا بالادب واللياقات الاجتماعية، وهو خبير دستوري من الطراز الاول، متواضع اكثر من اللازم، لم تنغص عليه سوى انشقاقات الحزب الاسلامي ونتائج الانتخابات.اما جعفر الموسوي ان صحت مذكرة الاعتقال وطلب رفع الحصانة، على ذمة صديقنا نبيل خوري الذي ربطت مصادره الامر بملف تفجير البرلمان، فقد التقيته اول الامر "ناشطا في حقوق الانسان" من شمال بغداد، مقربا من المجلس الاعلى. ثم فوجئت به مدعيا عاما يرتبك امام صدام حسين. ثم في حزب الفضيلة، واخيرا عند الصدريين. واذا صحت مذكرة اعتقال شخص تنقل في كل هذه الاماكن، فإن من حق صديقي القاطن قرب دار الامير، ان يهلع وان نهلع معه جميعا، فالبوصلة تتحرك على غير هدى، والهدف غامض غامض، والجميع نسي الاولويات الحياتية للناس، وانهمك بصراع السلاطين. انه عام آخر سيخصص لحل مشكلة السلاطين لا المساكين كما يبدو. والجميع "تحت موس الجميع"، والله يذكر الجنرال لويد اوستن الذي انقذ المالكي في البصرة، بالخير.
عالم آخر :4 بلا حصانة والباقي "خائفون"
نشر في: 7 فبراير, 2012: 10:57 م