علاء المفرجي كان من الطبيعي جداً أن تكون السينما المصرية بتاريخها ورموزها الهدف الأول لحملات التضييق على الحريات، بعد تسيد الإخوان المشهد السياسي في مصر أعقاب ثورة 25 يناير، باعتبار أن السينما وعلى امتداد تاريخها كانت الأكثر جرأة في اختراق التابوهات بثالوثها "الجنس، والدين، والسياسة" فضلاً عن استقطابها لطيف واسع من الجمهور، وتأثيرها على تشكيل رأي عام في بلد مثل مصر. وتكاد مشكلة السينما مع الرقابة بمختلف مسمياتها تكون حاضرة في جميع مراحل تطور هذا الفن في مصر.
فالمتتبع لتاريخ السينما في مصر ومنذ ولادتها لا يجهد نفسه في رصد العلاقة الملتبسة بين الاثنين وإن كان سيف المحظور السياسي هو المهيمن فيها والمسلط، ولأسباب مختلفة، باختلاف طبيعة الظروف الاجتماعية والسياسية في تاريخ هذا البلد، وكان أكثر حدة في السنوات التي أعقبت هزيمة 67 والسنوات اللاحقة مع أفلام مثل (الكرنك) و(شيء من الخوف) وغيرها بسبب التعرض واحياناً بشكل واضح للحكم الناصري، وكان فيها الرقيب متجسداً في المؤسسة السياسية النافذة.وهذا لا يعني أن المحظور الديني كان غائباً، خاصة مع أفلام تعرضت له بشكل مباشر أو موارب.. مشكلة الفنان يوسف وهبي مع ملك مصر في عشرينيات القرن الماضي إشارة واضحة لهذا الموضوع، عند اشتراكه في فيلم تركي عن حياة النبي محمد.. لكن مثل هذا المحظور لم يكن يمثل حدة غيره. الاستهداف إذن كان متوقعاً من قبل أهل السينما، ولكن ما كان غير متوقع هو أن الاستهداف كان بـ(أثر رجعي) أو لتصفية حساب سابق، كما حصل مع النجم عادل إمام، عندما صدر حكم قضائي بحبسه وإيقاع الغرامة عليه لبطولته أفلام نفذت بحقب سابقة، وجد فيها أصحاب الدعوى أنها تسيء إلى الأديان وتسخر منها (كذا!). ولأن الحرية هي الفضاء الذي ينتعش فيه الإبداع، فإن مستقبل الإبداع في ظل سيادة ذهنية التحريم، بقوة الممارسة الديمقراطية التي لا ندري كيف لا يتعاطى معها الفكر الظلامي المغلق كونها فرية وافدة يسوقها لنا الكفار.. هذا المستقبل سيكون بلا شك بلا أفق.. وهو مصير يشمل ربما كل أجناس الإبداع..أليست المفارقة أن يتصدر السينمائيون انتفاضة شعب مصر منذ يومها الأول تحريضاً ومشاركة، ثم يكونوا ضحاياها عندما تنتصر..؟ لقد سلط الإعلام المرئي الضوء على مشاركة رموز السينما ونجومها منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة وهو أمر كان له اثر واضح في التعبئة ورفع الحماس.. ومازالت صورة المخرج القدير خالد يوسف مع زملائه في الذهن، التي تظهر حماسهم لإنجاح الثورة.وكان السينمائيون في مصر هم السباقون بعد نجاح الثورة وسقوط صنم الاستبداد، في توثيق أحداثها من خلال عدد من الأفلام والوثائقيات التي انتزع بعضها جوائز في مهرجانات دولية..الإجراءات الأخيرة للولاة الجدد في مصر تستهدف الحرية التي قدم الشعب المصري من اجلها الأرواح والدماء، والسؤال هل ستتخذ المواجهة هذه المرة شكلاً آخر من إثبات الوجود؟ وهل سينحسر الإبداع في مواجهة فتاوى التشرد والتحريم؟ أم أن لرجال الإبداع كلمتهم؟
كلاكيت :الإبداع في قبضة التحريم
نشر في: 8 فبراير, 2012: 07:37 م