 كتابة ورسم عدنان أبو زيد مبدأ (الاستقرار) الذي اعتمدته الدبلوماسية الفرنسية طيلة عقود يناقض قيم الحرية وحقوق الإنسان التي كان علينا الدفاع عنها.. هذا الكلام تَلْخِيص لما الْتَبَس في فكر جوبيه، الوزير الفرنسي للخارجية، وموقفه من الربيع العربي.
ولهذا، أسدل جوبيه، مدمن الأفيون الاستعماري (تعبير للصحافة اليسارية الفرنسية)، الستار على (مهادنة الأنظمة)، وتفاعل مع انتفاضات وثورات، مجسدا أولى تطبيقات (الفوضى الخلاقة).لكن ذلك لا يقنع حتى الكثير من الفرنسيين..فالمبدأ هو المصالح أولا..وأول المصالح النفط، وآخرها النفط أيضا، وإلاّ..كيف يفسر جوبيه المتَقَنَّعَ بعدة وجوه، موقفه المتلوّن من ثورة ياسمين تونس صبيحة 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأين موقفه المتخبط من ثورة مصر وتنحي مبارك.. ولم لَمْ يتحمس لثورة اليمن، حتى أطبق الصمت عنها تماما، لتكتب لوموند الفرنسية "الغرب لم يكن في يوم من الأيام عرابا للتدخل في الشأن الداخلي وجعله من المُسَلمات في السياسة الخارجية، الا في زمن جوبيه، وحسب الطلب".لكن لذلك ثمن سيدفع لاحقا.فقد ارتبكت صورة فرنسا أمام انهيار حليفين لها لطالما مدت لهما يد العون وهما زين العابدين التونسي وحسني مبارك المصري. والثمن.. العلاقات الدولية الواضحة، و المبادئ والعهود، التي رسخت لاستقرار العالم. أمام بعد الآن، فلن نعرف ما الذي يجري!... جوبين، إذن، ثوري بمعاول استعمارية، يستعين بفقه (محلي) للتدخل، وهو طيلة سيرته مثار جدل، منذ كان رئيسا للوزراء في عهد جاك شيراك من العام 1995 وحتى العام 1997، ثم وزير دفاع وخارجية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي.نجاح جوبيه في تحييد روسيا والصين في مجلس الأمن لاستصدار قرار فرض منطقة حظر طيران ليبية وحماية المدنيين من ضربات الزعيم الليبي معمر القذافي إبان ثورة 17 فبراير، لم يغنه عن الفشل في تسويق الأمر ذاته فيما يخص الشأن السوري.لكن المفارقة ان جوبيه وهو يمد العون للثورات، يرفض اعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر. يقول جوبيه: أدعو الجزائريين إلى نسيان الماضي من أجل المستقبل. لكن جوبيه نفسه يتذكر الماضي ويعقد عليه الخطط والأفكار، والدليل أن صحفا فرنسية تصفه نهجه مع الربيع العربي بأنه منهج "حنين إلى مستعمرات".جوبيه ينتهز فرصة الربيع العربي للتوفيق بين الواقع والقيم. فيقول: ثورات جنوب المتوسط تجعلنا نبتكر ممارسة الدبلوماسية بروح العصر، عبر التمسك بأهداب الديمقراطية والدفاع عنها. لكم المفارقة اليوم..إن دول الاستعمار تلتقي في إراداتها لأول مرة مع قوى الأمر الواقع السياسية والاجتماعية، بينهم الاسلامويين، منذ أن نالت الدول استقلاليتها من هيمنة فرنسا وأخواتها. جوبيه، متوقع له اليوم أن يرتدي البزة العسكرية، مثلما ثوب الثوري المهلهل، او منتفض الشارع البائس..وهو قبل كل هذا، به أنق فرنسي، يجعله يسوق مصالح بلده أولا، لا مصالح الشعوب، عبر قلب المفاهيم المتحكمة بالعلاقات التي تربطها بالضفتين الجنوبية والشرقية للمتوسط.