TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس :أذان فـي البرلمان

قرطاس :أذان فـي البرلمان

نشر في: 8 فبراير, 2012: 08:47 م

 أحمد عبد الحسين التديّنُ علاقة الفرد بعالم الغيب، قديم قدمَ خوف الإنسان من المجهول، أتتِ الشرائع لتقننه، والآداب المعنوية والأخلاقية من عرفان وتصوّف ورياضات لتمنحه مسحة روحية تناسب سرانية موضوعه، هكذا نمت الأديانُ وازدهرتْ وأنشأتْ دولاً كبرى وحضارات.
لكنْ.. تبدأ الأديان بالتفسّخ والانحلال ما أن تتحوّل إلى مجرد إعداد ثانويّ لكسب سلطة أو حيازة مالٍ، حينها يصبح دين ما مجرد إكسسوار يغطي المقاصد الحقيقية لأصحابه، لأن طمع الإنسان ونزواته وأشدّ غرائزه انحطاطاً تحبّ أن تتخفى، وخيرُ قناعٍ يمكن أن يحصل عليه هذا الإنسان هو القناع المقدّس، بسهولة وتلقائية يستطيع صاحب الغريزة أن يجعل لغريزته وجهاً دينياً، كأنما يكفي أن نذكر اسم الله على غرائزنا "حتى المنحطّة منها" لتتقدّس.يختلط الإيمان هنا بالنفاق اختلاطاً من العسير فصله، وحينها يبدأ سباق محموم بين الناس باتجاه أحقية كلّ منهم بادعاء تمثيل الدين، يتسابقون في حيازة المظاهر الدالة على الالتصاق بالدين: لون ملابس مخصوص، عصابات رأس، وسوم في الجباه، خِرَقٌ، وكثير من الكلام الذي يشي بعلوّ كعب صاحبه في موضوع الدين، استماتة في إعلاء الطقوس والشعائر بمبالغةٍ قد تؤدي إلى إيذاء النفس أو الآخرين، باختصار: يحضر الدين بوصفه شكلاً، قناعاً، زوائد لا تتقشر عن جوهر ولا تخفي وراءها لبّاً، وقت غروب الدين وشروق شمس النفاق ساطعة كأقوى ما تكون.مزايدات لا حصر لها سوف تُرفع في هذه السوق، لأن الجميع مدعوّ لها، وأصبح بإمكان كلّ أحد دخولها، يكفيه فحسب أن يتشبه بالحشد ليكون منهم ويجرّب حظه للحصول على حصته من حيازة هذا الرأسمال الرمزيّ المفضي طبعاً إلى رأسمال ماديّ هو المطلوب والمقصود من وراء حفل الأقنعة هذا.أذان النائب المصريّ في البرلمان أول أمس لم يكن إلا مساهمة منه في هذه المزايدة التي هي الآن ـ في مصر ودول أخرى ـ على أشدّها، الفتاوى التي أصدرها شيخ من شيوخ جماعة "النور" والقاضية بأن من قتلوا في ملعب الإسماعيلية ليسوا شهداء لأن كرة القدم لهو ولعب "ناسياً أن الحياة كلها لهو ولعب في نصّ القرآن!"، أعرف دولاً تتعطل فيها الحياة كلها ـ لا برلمانها فقط ـ لأن أناساً يريدون استعراض نسختهم من الإيمان، وهي نسخة يختلط فيها نفاق وإيمان اختلاطاً أنتج ديناً جديداً انفلت من عقاله ولن يوقفه بعد الآن شيء، لن يكتفي بتخريب النظام الاجتماعيّ ولا بتتفيه الحياة وازدراء الفنون والثقافة، بل سيصل إلى قلب الدولة ليتركها رميماً، يجعل من الأمر كأنه مواجهة بين الدولة والمقدّس، ونتائج حرب كهذه معروفة سلفاً. المقدّس ينتصر حتماً، حتى لو كان مقدساً تم اصطناعه اصطناعاً بأدوات قليلة ومتاحة للجميع: عصابة رأس، وسم في الجبهة، لحية طويلة، خواتم ومسابح، حوقلة وخرقة خضراء، أو أذان في مكان عملٍ، أذان فيه كثير من النفاق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram