TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: رحمة بالناس والجيش!

أحاديث شفوية: رحمة بالناس والجيش!

نشر في: 8 فبراير, 2012: 09:27 م

 احمد المهناالجيوش أدوات عظيمة للحفاظ على البلدان، وإحدى أسس بناء الأوطان. فما ان تتحدد خريطة إقليم، ليكون وطنا، حتى يتأسس جيش لحمايته، وليكون أول أعمدة سيادته، وتتلاحم معه، في مهمة "صناعة" الوطن، مؤسسات ورموز، مثل الحكومة، التعليم، الإذاعة، الجريدة، نصب الجندي المجهول، العلم، النشيد الوطني والى آخره.
وكل من هذه المقومات يستهدف تمييز الدولة الوليدة بالخصوصية، والتفرد، عن نظائرها من الدول، شأن ولادة الطفل، التي هي بداية تكوين انسان جديد، فريد ومختلف، لا يمكن أن يكون إلا نفسه، وليس شخصا سواه.ويمارس الجيش وظيفته بإتقان فنون وادوات واستراتيجيات القتال. اي أن وظيفته، بالمختصر المفيد، هي القتل. هذه هي الحقيقة. اننا نعيش في الأرض، لا في السماء، في العالم، لا في الجنة. نعيش حيث الصراع الأبدي بين الحرب وبين السلام، وحيث احتمال عدوان بلد على آخر أمر وارد دائما. هذه هي قسمتنا، الى أن يتبدل العالم وتصبح الحرب تاريخا. ولعل الأمل البشري الأعظم هو أن يأتي مثل هذا الصباح. ولكن الى أن ينبلج ذلك الصبح الأعظم، ستبقى وظيفة الجيش، العادلة أو الظالمة،هي القتل لصد العدوان الخارجي أو ارتكابه. القتل في الحالتين، العادلة والظالمة.هذه الحقيقة البسيطة، عميقة التعبير عن حجم الشر فينا كبشر، جعلت البلدان التي تتمتع بدرجة متقدمة من التحضر، تدرك الآثار المريعة لاعتياد الأفراد والمجتمعات على رؤية المظاهر العسكرية في المدن، فهو يقود الى ألفة القتل، والانسجام مع عوالمه ورموزه، ما يحتم استمراء الخشونة والعنف والقسوة.ولذلك فإن مثل هذه البلدان تمنع العساكر من الظهور بملابسهم العسكرية بين الناس. والحظر نفسه يسري على المركبات العسكرية. وقد عشت سنوات عديدة في بريطانيا ولم أر مخلوقا أو مركبة من هذا القبيل إطلاقا.وقد لا توجد مثل هذه الحساسية من المظاهر العسكرية في بلداننا. ولكن الحساسية موجودة لدينا بكل تأكيد من الوفرة الزائدة عن اللزوم للعسكرة في المدن. فلا يمكن لبشر تقبل مثل هذه الحال، أو التكيف معها، لأن معانيها تتدرج من عدم الاستقرار، الى الاضطراب الأمني، الى الحرب.وان محصلة هذه المعاني هي نشر الخوف وتعميم الفزع وصنع تأثيرات نفسية وعقلية وسلوكية مدمرة بين الناس، فكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا!ولربما يكون كل ذلك غائبا، لسبب أو آخر، عن بال ساستنا. ويجدر بهم، وبإعلامنا الوطني ايضا، وبـ "قوى الشعب الحية" - إن وجدت - مراجعة هذا الموضوع الخطير، مراجعة مسؤولة، رحمة بالناس، وبالجيش. فلا الناس يمكن أن تكون آمنة مع هذه العسكرة بالغة الوفرة، ولا الجيش يمكن أن يحافظ على جوهر مهمته وطابعه، مع تحويله الى العمل بوظيفة الشرطة. ان شرطتين فوق احتمال اي شعب! وانظروا المصريين: لم يتحملوا شرطة واحدة!الناس، بكل تأكيد، ساخطة كل السخط على كثرة العسكرة، ويغذي هذا السخط اجماع الخبراء الأمنيين، المستقلين، على أن المعركة مع الإرهاب ليست عذرا للعسكرة، فهذه معركة استخبارات وسياسات، لا معركة سيطرات أطلعت أرواح الناس، وجعلت، فوق كل تلك البلاوي، وجود نظام مرور سلس للسيارت في البلاد امرا من المستحيلات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram