TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > شناشيل: باصات مكشوفة على المضحك المبكي!

شناشيل: باصات مكشوفة على المضحك المبكي!

نشر في: 8 فبراير, 2012: 09:39 م

 عدنان حسينحقا وفعلاً ان شرّ البلية ما يُضحك. وبلايانا كثيرة للغاية، وهي في الغالب مما يبعث على البكاء المرّ والنحيب الموجع، وهذا بفضل النخبة السياسية المتنفذة في الحكم التي لا تريد للعراقيين أن يكفكفوا دموعهم ويلأموا جراحهم ويغادروا محنتهم التاريخية ويتوقفوا عن لطم الصدور وضرب الظهور وشجّ الهامات. وبعض بلايانا تبعث على البكاء والضحك في آن، وهنا واحدة منها.
الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود التابعة لوزارة النقل أعلنت للتو انها بصدد استيراد حافلات مكشوفة الرأس (بلا سقف) لتعزيز السياحة في بغداد. ولاستدرار المزيد من الضحك المُبكي أو البكاء المُضحك منّا، أعطى أحد مسؤولي الشركة تفاصيل خطة استيراد هذه الباصات وتشغيلها في العاصمة، فهي (الباصات) ستسير في أوقات معينة وفق جدول زمني محدد.المسؤول أضاف انه سيتم تسيير هذه الباصات في شارع أبو نواس وفي شارع كورنيش الأعظمية وبين الأعظمية والكاظمية، معتبراً انها (الباصات) "ستُضفي جمالية وأماناً واستقراراً" على العاصمة.تخيّلوا معي المشهد: باصات مكشوفة الرأس(بلا سقف) من النوع الذي يسير في بعض شوارع لندن وأمستردام وباريس وبرلين وسواها من مدن العالم الكبرى، وبخاصة الشوارع القديمة التي تحتوي على مبان تاريخية وشواخص معمارية مميزة، فتتوفر للسائحين فرصة التعرف على أهم معالم المدينة والاستمتاع بمشاهدها ومناظرها الخلابة في رحلات نهارية وأخرى ليلية.تخيّلوا ان هذه الباصات قد استوردت فعلاً وسُيّرت فعلاً في شوارع عاصمتنا الموصوفة في تصريح المسؤول الحكومي فماذا سيرى السائحون؟ أكوام النفايات.. الأرصفة المهدمة.. الشوارع المحفّرة .. برك المياه الآسنة.. الحيوانات السائبة .. الأطعمة المكشوفة للغبار والحشرات ودخان السيارات في العربات على الأرصفة وفي الشوارع، وكذلك بيوت الحواسم سيئة التصميم. أما المناطق والمعالم الجديرة بالمشاهدة في بغداد فلن تمر بها هذه الباصات، وهي على وجه التحديد: شارع الرشيد، باب المعظم، الميدان، منطقة القشلة، شارع الشيخ معروف، علاوي الحلة، المحطة العالمية، شارع الشيخ عمر، شارع الكفاح، الباب الشرقي، شارع السعدون، وشارع النضال.وحتى لو توسعت خطة الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود لتتضمن مرور الباصات السياحية هذه بمناطق بغداد التاريخية ومعالمها الحضارية، فكيف ستحل الشركة مشكلة الاختناقات المرورية في الشوارع والساحات وبخاصة عند نقاط التفتيش؟ وكيف ستتعامل مواكب المسؤولين اللجوجة اللحوحة مع هذه الباصات؟ بل كيف ستتفادى الشركة ان تتشابك رؤوس السياح  مع ما يغطي شوارعنا من الأسلاك الشائكة المكهربة المتصلة بالمولدات؟وأصلاً أين هم السياح الذين سنضع هذه الباصات في خدمتهم؟ ما يُبكي ويُضحك في الآن نفسه في هذه القضية ان بغداد، كما سائر مدننا، تفتقد الى باصات النقل العمومي والى القطارات الأرضية وتحت الأرضية أو المعلقة التي نحتاجها احتياجاً عظيماً.الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود تريدنا أن نركب الباصات السياحية الفخمة مكشوفة الرأس بينما لا نجد الباصات العادية التي تنقلنا الى بيوتنا ومقار أعمالنا، مثلما كانت الراحلة ماري انطوانيت تريد للجياع الفرنسيين أن يأكلوا الكعك الأبيض الفاخر وهم لا يملكون ما يشترون به الخبز الأسود.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram