الكتاب: الحياة ترتقي تأليف: نيك لين  ترجمة: هاجر العاني بدأت الحياة في عال م ما كنا لندركه الآن، حيث كانت السماوات برتقالية او حمراء مغبرّة وبلا ريب لم تكن المحيطات زرقاء وتقريباً بلا ريب لم تكن مالحة، وما كانت لتوجد أرض ذات اهمية بل مجرد عدد قليل متناثر هنا وهناك من القمم البركانية التي تشق المياه الداكنة التي كانت تدور في دوامة فوق الكرة الارضية كلها،
وفي غضون الثلاثة مليارات وثمانمائة مليون عام تغيـّـر الغلاف الجوي من ثاني اوكسيد الكربون والنتروجين في الاغلب الى الاوكسجين والنتروجين بالكامل تقريباً، ونشأ حوالي ثلث سطح الكوكب ليصبح القارات المتغيرة باستمرار، وتبدلت السماوات زرقاء وكذلك المحيطات واصبحت اليابسة قاتمة مغبرَّة او حمراء او بيضاء جليدية او ذات خضرة بخمسين درجة لونيـّة.والمستأجـِـر الذي نصـَّـب نظام تكييف هواء الارض صديق المستهلك ومن ثم أعاد زخرفة المباني بالازرق والاخضر كان الحياة نفسها – الحياة المستنشــِـقة والمستهلـِـكة بجشع والمتناسـِـلة – والمنفعة التي أطلقت كلاً من الحياة والارض التي استعمرتها كانت ربما هي تماماً نفس تلك التي وفرت مياه الكوكب الجارية الباردة والساخنة الا وهي الثقوب البركانية العميقة في المحيط الاول.ورحلة الحياة من القطرة الاصلية الى تسلم الكوكب زمام الامور تضمنت خطوات تقدم مثيرة أمـَّـنت أولاً سيطرتها على الارض  ومن ثم بسطت مجالها الحيوي، وكل خطوة من هذه الخطوات وحيدة الاتجاه تمثل أحجية كيمياوية حيوية قد لا يتم حلـّـها ابداً بشكل مـُـرض ٍ ولكن يمكن فقط  سبر غورها بتفصيل مقنــِـع، وفي كتابه الاخير حدد [نيك لين] عشراً منها بما فيها أصعبها فهماً الا وهو اول فعل ناجح يخص الاختراع الذاتي. وخمـَّـن [تشارلز داروين] (1809-1882) عالم طبيعة بريطاني صاحب النظرية الداروينية وأشهر مؤلفاته "في أصل الانواع" (عام 1859)  بشكل ممتاز بأن الحياة ربما تكون قد نشأت من سحابة عـَـرَضية من المواد الكيماوية العضوية محصورة في بركة دافئة الا ان تلك الوصفة الخاصة تبدو الآن غير مرجحة الحدوث، و يـُـعتـَـقـَـد الآن ان مسقط رأس الحياة الاصلية الارجح هو الشقوق الموجودة في البازلت الطري في قاع المحيط التي ولمليارت السنين قد امتلأت بمحاليل ملحية شديدة  السخونة غنية بكبريتيد الهيدروجين والحديد.وهذه الثقوب التي اكتــُـشفـَـت لاول مرة قبل اكثر قليلاً من ثلاثة عقود من الزمان تحيط بالكرة الارضية، ومن تصدعات كهذه في قشرة الكوكب نشأت جزر آيسلندا وسانت هيلانة وجزر المحيط الهادي وربما جميع القارات السبعة ايضاً، فتلك الشقوق توفر المدخل الديناميكي الحراري والمواد الخام الاولية للتجمعات الغريبة من الجراثيم والديدان الانبوبية والروبيان الاعمى والبطلينوس [حيوان من الرخويات او السمك الصدفي] التي تزدهر بعيداً عن مدى الشمس، وربما تكون مصادر الغواصات من المياه الساخنة القلوية قد وفرت الآجر الكيميائي والطاقة والمادة المحفزة للجزيئات الاولى من ثلاثي فوسفات الادينوسين وهو العملة العالمية للتنفس والطاقة. ونفس هذه الشقوق ذات المياه الساخنة ربما كانت كذلك المراجل التي طبخت الى حد النضوج الـ (RNA) وهو شريك الرقص الجزيئي للـ (DNA- الحمض النووي)، الحامل لكل معلومات الحياة، و ربما تكون المحاليل الملحية الخاصة بالمياه الساخنة الغنية بالمنغنيز والحديد قد وفرت كذلك الحافز لاجل قطعة سحرية من قطع المكائن الكيماوية الحيوية تسمى التركيب الضوئي الذي تعتمد عليه الآن كل حياتنا تقريباً، اذ يقوم التركيب الضوئي بتحويل الماء وضوء الشمس وثاني اوكسيد الكربون الى اوكسجين ونسيج اخضر ومغذ، فعندما بدأ التركيب الضوئي استطاع الكوكب ان يكون موطن الخلايا المركـَّـبة التي انتجت - خلال مليارات السنين - الاوكسجين لينشر ضوء الشمس ويحوِّل الاثير الى اللون الازرق وينشئ طبقة الاوزون، وحالما اصبح هذا الحاجز الواقي فوق البنفسجي في موضعه الصحيح استطاعت الجراثيم ان تستعمر الارض الناشئة. والحياة نفسها والـ (DNA) والتركيب الضوئي هي الاكتشافات الثلاثة الاولى من اكتشافات [لين] العشرة الكبيرة، اما الاخريات فهي الخلية المركبة والجنس والحركة وحاسة البصر والدم الحار والوعي، وورقة الارتقاء والنشوء الرابحة – الموت – وهو  الواسطة التي تسمح بحياة اكثر وتنوع اكثر. وبمعالجة بعض هذه التعقيدات التي من الواضح انها لا يمكن اختزالها معالجة ً جريئة ربما يـُـتهـَـم [لين] بتصويره المخلوقات المذكورة في التوراة والانجيل ورفاق طريقهم، الا وهم أنصار "التصميم الذكي"، مع 10 حجج قريبة في المتناول ضد النشوء والارتقاء الدارويني نسبة الى تشارلز داروين، ولكن ذلك سيكون اساءة فهم متعمدة لكيفية عمل العلم. وقبل اربعة قرون كان كل شيء حول النشوء والبقاء والوراثة عبارة عن لغز، والتجربة والبحث المنهجيان قد أنقصا عدد أغلب الالغاز الى عدد اقل من الاسئلة شديدة التحديد التي تتضمن الفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية والظروف المحيطة قبل 8ر3 مليار سنة على كوكب ما يزال محموماً بسبب ولادته القاسية. وهكذا اصبح سر الحياة العذب عبارة عن سلسلة من الخطوات المنفصلة، كيف يتسنى لـبكتيريا