حازم مبيضينكان للفيتو الروسي الصيني المزدوج ضد قرار عربي غربي حول الأوضاع القائمة في سوريا منذ ما يقارب العام, أثر سريع تمثل في ازدياد اعتماد النظام السوري على الحل الأمني وزيادة وتائره, ما أدى بالضرورة إلى ردات فعل ربما كانت بانتظار ذلك, إذ سحبت الدول الخليجية دبلوماسييها من دمشق,
وغادر الدبلوماسيون السوريون عواصمها, واستدعت عواصم غربية وازنة دبلوماسييها من العاصمة السورية للتشاور, وطلبت بعضها من رعاياها مغادرة بلاد الشام, وتعالت صيحات معارضي النظام البعثي, طالبة دعمها بالسلاح لمواجهة حرب الإبادة ضدها, وهي حرب لابد بالضرورة أن تأخذ في طريقها الكثير من المدنيين, إضافة لما تخلفه من خراب ودمار يلحق بالبنى التحتية, التي دفع السوريون من قوتهم أثمانها على مدى سنوات طوال.بالمقابل لم تتوقف موسكو عند حدود ما قامت به في مجلس الأمن, فقد بادر وزير الخارجية الروسي, مصطحباً معه مدير المخابرات بزيارة دمشق، وبما أوحى لبعض المراقبين تشجيعاً للنظام على المضي في الحل الأمني, للقضاء على التمرد الشعبي, وبتوجيه استخباري من الطرف الروسي, إضافة للعمل على تمتين التحالف مع إيران وذراعها في لبنان, مع اتخاذ خطوات إصلاحية لا تتجاوز حدود ما يطرحه النظام, ويرضى بالسير فيه, وكل ذلك بالتأكيد لا ينبع عن حالة عشق للنظام البعثي, بقدر ما هو رافعة لطموحات موسكو, التي تدرك جيداً أنه بانتهاء الحرب الباردة, صار العرف أن يجري التوافق بين الكبار في المنظمة الدولية على مصير الدول التي تمر بأزمات عميقة, لكن الغرب الواقف ضد النظام السوري ومعه بعض العرب, تجاوزوا هذه القاعدة مستبعدين الرأي الروسي في مشاورات ما قبل التقدم بمشروعهم, الذي ينبغي التذكير بأنه لا يُهدّد النظام السوري بالتدخل العسكري، بقدر ما يضع خططاً أولية لتمكين الشعب السوري من أخذ زمام المبادرة بيده, والاحتكام إلى صناديق الاقتراع والانتخابات الحرة، بدل اللجوء إلى بنادق الجيش والمحتجين, وبما يعني في آخر الأمر أن الحل سيكون عربياً وتحت مظلة الجامعة وبما ينزع من يد موسكو ورقة مهمة في تعاملها مع واشنطن والغرب بصفة عامة.في ثنايا هذا المشهد تشهد حمص وبعض المدن السورية حرباً حقيقية, فيما تتشظى تنظيمات المعارضة وكأنها تتقاتل على جلد الدب قبل اصطياده, وتعزز الدول المحيطة بسوريا وجودها العسكري عند الحدود تحسباً للاحتمالات كافة, وبعض هذه الدول أنشأ مخيمات تنتظر اللاجئين, فيما تشهد الساحة اللبنانية انقساماً مذهبياً حاداً تجاه ما يجري في جارتها الأكبر, والأقوى نفوذاً رغم انسحاب قواتها العسكرية من بلد الأرز, وتنبري الحكومة العراقية لشد أزر النظام البعثي, الذي قاتلت صنوه في بغداد, وأسقطته بدعم أميركي عسكري غير محدود, ويعاني العراقيون المقيمون في دمشق هرباً من الحال الأمني المتردي في بلادهم والمنتظرون دون جدوى تأشيرة هجرة إلى أي وطن بديل في العالم الغربي, من عواقب دعم بغداد للحكومة السورية.تشتد الأزمة الاقتصادية ضيقاً على المواطن السوري, نتيجةً للعقوبات التي يتخذها العالم ضد النظام, ويفتقد سكان المدن للأمان نتيجة العمليات العسكرية, وقد فقدت الدولة هيبتها رغم عظم آلتها العسكرية وتماسكها حتى اليوم, وتنتقل الحرب بين النظام ومناوئيه إلى مرحلة فقدان القرار الوطني المستقل, فالحرب اليوم قائمة بشكل ما بين الدول المتصارعة على سوريا, ومن بعدها وبسببها على منطقة الشرق الأوسط بنفطها وإسرائيلها, وأنظمتها الاسلاموية التي ركبت عربة الربيع العربي, فاستولت على السلطة, وفي ذهنها فقط حلم التمدد والانتشار في كل زاوية من هذه المنطقة, ويدفع السوريون شعباً ونظاماً الثمن كاملاً لكل ذلك.حمى الله سوريا وشعبها.
في الحدث: سـوريا بعد الفيتو
نشر في: 10 فبراير, 2012: 08:56 م