ساطع راجي منذ شهرين لم ينجح مجلس محافظة ديالى في عقد جلسة رسمية بعدما تشرذم أعضاؤه نتيجة للأوضاع الأمنية التي عصفت بالمحافظة بعد قرار تحويلها الى إقليم وغاب المحافظ نفسه عن موقع عمله وعن المحافظة كلها في ظل تشوش عام وتعتيم رسمي على حقيقة الوضع القانوني لإدارة المحافظة دون أن تهتم الحكومة الاتحادية لا كثيرا ولا قليلا بمعالجة الوضع.
ومنذ سنوات تعيش محافظة نينوى وضعا غير طبيعي وذلك بعد اختلاف القائمتين الرئيسيتين (الحدباء، ونينوى المتآخية) على توزيع المناصب القيادية في المحافظة وهو ما أدى واقعيا إلى انقسام المحافظة في ما يشبه الإدارتين أو على الأقل هناك مناطق لا تتعامل مباشرة مع مركز المحافظة، وقد فشلت جولات عديدة للتقريب بين الطرفين وتدخلت بعثة الأمم المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية دون جدوى، وهو ما يعني أن هناك وضعا قانونيا غير صحيح في نينوى استمر على مدار سنوات دون أن تهتم الحكومة الاتحادية لا كثيرا ولا قليلا بمعالجة الوضع.كركوك تعيش وضعا قانونيا وسياسيا أكثر تعقيدا، فإذا كانت نينوى منقسمة منذ انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت فإن مجلس محافظة كركوك بقي على حاله منذ انتخابات 2004، ولم تنفذ الخطوات التي تم الاتفاق عليها قبل إجراء انتخابات مجالس المحافظات في عام 2009، رغم اقتراب الدورة الانتخابية للمجالس من نهايتها لتستمر بذلك المشاكل نفسها التي عطلت إجراء الانتخابات سابقا وهو ما يلقي بظلال معتمة على الوضع القانوني والدستوري لمحافظة كركوك دون أن تهتم الحكومة الاتحادية لا كثيرا ولا قليلا بمعالجة الوضع.وإذا كانت الأزمة قانونية ودستورية وداخل المحافظة نفسها بالنسبة لديالى ونينوى وكركوك فإن الأمر اشد احتقانا في ما يتعلق بالانبار وصلاح الدين رغم جولات الاجتماعات التي لا تنتهي بشيء محدد باستثناء الترضيات الشخصية وتبادل المجاملات منذ انطلاق أزمة المطالبة بتشكيل الأقاليم في المحافظتين واعتراض رئيس الوزراء على الطلب بطريقة دفعت بالعلاقات الرسمية بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية إلى مستوى عال من الفوضى حيث تقول الحكومات المحلية أنها أرسلت طلبات الأقلمة إلى الحكومة الاتحادية والأخيرة تتجاهل كل شيء وكأنه ليس هناك سياق قانوني للمكاتبات الرسمية بين مؤسسات الدولة التي يريد كل طرف تفصيلها على مقاسه الخاص.وفي هذه الأثناء تبدو محافظات الفرات الأوسط والجنوب محرجة فلا هي قادرة على الذهاب الآن إلى المطالبة بالأقاليم بعدما أخذ الأمر بعدا طائفيا ولا هي قادرة على تلبية حاجات المواطنين في الأوضاع المالية والقانونية والسياسية بصيغتها الراهنة ولذلك تتسرب إلى حكوماتها المحلية ومجالسها الخلافات وتدفعها إلى الشلل والجمود.القوى السياسية المتصارعة على السلطة في المركز غير معنية بإيجاد حلول للمشاكل في المحافظات التي تعيش فعليا في قلب العاصفة السياسية، بل إن هذه القوى تسعى إلى استخدام تلك المشاكل في صراعاتها بطريقة تؤدي الى الحفاظ على وجود المشاكل كأسلحة للاستخدام عند الحاجة، والنتيجة الحتمية التي تركض البلاد نحوها وغاصت فعلا في بعض مستنقعاتها هي التشرذم وربما الانقسام والاحتراب وتبدو كل من صلاح الدين وديالى في اشد الأوضاع خطورة بين محافظات البلاد، ومع ذلك يواصل الزعماء عيشهم الهني الحالم بالقدرة على إدامة الوضع الراهن الى ما لا نهاية لإنجاز أكبر عدد ممكن من الصفقات، غير مبالين بالتفكك المتسع في هيكلية الدولة وصعود قوى متطرفة في مطالبها واستشراء الفساد بطريقة تخلق مراكز قوى ستسعى لإنتاج توازناتها الخاصة.
محافظات في قلب العاصفة
نشر في: 11 فبراير, 2012: 08:08 م