TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: الأنثى تطلق حوار العلمانية والإسلام

عالم آخر: الأنثى تطلق حوار العلمانية والإسلام

نشر في: 11 فبراير, 2012: 09:58 م

 سرمد الطائينشوة كبيرة تملكتني في شارع المتنبي الجمعة. الشارع يكاد في الغالب يخلو من النساء، حتى إنني لم اعثر على جواب لسؤال الأصدقاء الأجانب: أين النساء؟ فعلا أين النساء؟ لكن سوق الكتاب العتيق المتواري بدلال وسط أعظم غابة شناشيل في الشرق الأوسط، احتشد بعدد كبير من العراقيات خلال إطلاق مبادرة تخص حال المرأة في بلادنا.
أقف هنا الى جوار زوجتي، وألمح عشرات الصديقات، نسوة لا اعرفهن، أخريات برزن في مجالات ممتازة، سيدات يملؤهن الوقار وفتيات مقبلات على الحياة يطالبن بحقوقهن بشجاعة نادرة. ألمح أشباح أمي وكل النساء القويات اللاتي عرفتهن في حياتي.. وهي تحوم حول هذا الحشد، وأحدق في صور الرائدات الملصقة على بوستر أنيق في مدخل بيت المدى حيث تحدثت النساء بمجموعة مطالب مهمة ردا على إجراءات وزيرة المالكي لشؤون المرأة. ألمح آلاف النساء في مختلف مدننا وهن يقرأن بحماس مبادرة زميلاتهن في شارع المتنبي، ويتجهزن لخوض تجربة جديدة لا بد ان تلجها بلادنا وهي تتخلص من أطواق التخلف والعزلة التي فرضها صدام حسين في ذلك العهد، وكل من يشبهه في هذا العهد.استذكر هنا المعركة التي خضناها قبل أكثر من سنة في مواجهة إغلاق سيرك البصرة وإلغاء مهرجان بابل ومهزلة كامل الزيدي في بغداد الذي أغلق النوادي الاجتماعية دفعة واحدة... وأتذكر أنني دعوت يومذاك الى اطلاق حوار تأخر كثيرا بين العلمانية والإسلام في العراق. فالعنف الأسود حرم المجتمع المدني من خوض سجال مع السلطة المتشددة في الغالب. والعنف الأسود جعل صوت "الاعتدال الإسلامي" خافتا. والعنف الأسود أتاح لكبار المتشددين أن يستولوا على مصائرنا لسنوات. والعنف ذاته إلى جانب الفشل في كل شيء تقريبا، أتاح للاحزاب الدينية ان تتهرب 9 أعوام من الإجابة عن سؤال: كيف تحكم دولة حديثة في القرن 21؟قلت قبل أكثر من سنة ان علينا اطلاق حوار والعمل على إعداد "اعلان حريات" سيكون مفيدا للجميع. اذ سيعرف العلماني حينها ماذا عليه ان يصنع، ويعترف الإسلامي بضرورة ان ينشغل قليلا ويفكر في سؤال الحكم المدني كما سبق لاردوغان ان فعل. كما دعوت الى الحذر من اختزال المواجهة بين المعسكرين في قنينة خمر او حفلة غنائية او حلبة رقص او شباب يريدون العيش بطريقة حديثة مثل أقرانهم في بريطانيا او ماليزيا.لكن الأمور تتلكأ والحوار يتأخر، فالجميع يشغلنا بمؤامرة انقلابية هنا او مخطط تخريبي هناك، او موجة تفجيرات يتبادل الكبار الاتهامات بشأنها. الا ان وزيرة المرأة في حكومة المالكي "تستحق التقدير" حين حركت المياه الراكدة بين العلمانية والاسلام، وبين الاعتدال والتشدد. فاللجان والتوصيات التي تشبه الحملة الايمانية سيئة الذكر، والتي تقوم على رفض صورة الدولة الحديثة التي نريد اعتمادها كي نتخلص من عزلة طويلة فرضتها علينا سياسات صدام... كلها خطوات كانت وراءها وزيرة المرأة التي لم يسعفها الحظ في ان تدرك ردة الفعل الشجاعة التي يمكن أن تصدر من نساء هذا البلد.يمكن أن يتنازل أبو العتاهية عن زق الخمر، ويمكن لزرياب أن يقوم بتكسير عوده.. بل أن يلتزم الأصمعي الصمت مؤقتا. ولكن هل يمكن لحكمة حكومتنا ان ترتهن نصف المجتمع بقيود طاردة من الحياة، وان تخرجها من حساب التنمية كما تقول بسمة الخطيب؟بمعادلة تنموية بسيطة ندرك ان ربع الرجال موظفون لا يفعلون شيئا تقريبا في دوائر الكهرباء والماء والمصانع الخاوية والبلديات العاطلة..الخ. كما ان ربعهم الآخر يحمل السلاح في نقاط التفتيش. ربع ثالث يبيع العلكة ورصيد النقال في التقاطعات.. ولعل 10 في المئة من الرجال فقط كما يقول الخبراء، يؤدون عملا حقيقيا في العراق. اما اذا شغلنا المرأة وهي نصف المجتمع الآخر بكومة قيود بدائية تتمنطق بها الوزيرة، فليس علينا ان نتذمر ثانية من تلكؤ قطاع الطاقة او انتشار الازبال في الأزقة، ولا انعدام الامن.. فصورة كهذه تعني اننا شعب عاطل ومعطل ومتفرغ لحروب ثانوية منذ 40 عاما.ما حصل ان وزيرة المرأة حركت مياها راكدة.. وعلى نسائنا الشجاعات ان يقمن بتدشين حوار العلمانية والدين انطلاقا من فهم تنموي اقتصادي وثقافي بالتأكيد، ونحن على الأثر سيداتي...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram