مازن الزيدي عام مضى على حملة "بغداد لن تكون قندهار" التي أطلقتها المدى، الى جانب ناشطين وناشطات، كردّ فعل على التضييق الذي فرضته حكومة بغداد المحلية على بعض مظاهر الحريات الخاصة والعامة التي كفلها الدستور العراقي الدائم. عام 2011 كان فرصة ذهبية لطرح سؤال التعايش العلماني الديني في العراق الخارج من أربعة عقود من ديكتاتورية
بلغت ذروتها في حملة إيمانية كانت بمثابة الرافعة لتيارات التشدد الإسلامي بمختلف طوائفه وهو ما تجلى بأوضح أشكاله في تصاعد الأرهاب والعمليات المسلحة. هذه الفرصة الهائلة جعلت العراق، الذي لم يلتقط أنفاسه من تركة الدكتاتورية إلا على وقع تدخل أجنبي اتخذ شكل احتلال انخرط بسرعة في موجة عنف واسعة،أمام أسئلة الدين وهوية الدولة والعلاقة بين المكونات التي أجيب عنها بتشويه ومواربة مقصودين ضمن الدستور الذي صوت عليه في 2005 في دستور يواجه انتقادات لاذعة حتى من الكتل التي أصرت على كتابته برغم الدعوات لتأجيله حينذاك."انتفاضة الحريات" كانت فرصة يتيمة لتأخذ النخب الليبرالية والعلمانية زمام المبادرة لطرح تلك الأسئلة بقوة على الكتل والاحزاب ذات التوجهات الاسلامية وحتى العلمانية التي كانت تنغمس حينها في مفاوضات تشكيل الحكومة. لكن هذه النخب فقدت التركيز على شعاراتها ومطالبها وهي تنساق، للأسف، مع موجة التظاهرات التي وقعت في فخ التسييس والاستقطاب التي كان يستخدمها الكبار في مفاوضاتهم الساخنة حينها، والنتيجة اننا تناسينا الحريات ولم نحقق الخدمات التي أشعلت تظاهرات شباط وضيعنا الزخم الذي صاحب مبادرة المدى.يبدو لي وبعد عام من "حراكنا المدني" أننا عجزنا عن تحويله الى "مبادرة" حية فاكتفينا بردود الأفعال على التقويض المنظم لمساحة الحريات، وبتنا نختصر ذلك في بغداد وبعض الأماكن الخاصة التي تلتقي فيها نخبنا.. بعد عام على "بغداد لن تكون قندهار" ما زلنا ندافع عن حق المرأة وحريتها، لكنا لم نجترح أشكالا من الفعل لضمان هذه الحقوق والحريات بشكل عملي ومتواصل.قبل عام من الآن ذكرت في بعض المناسبات حادثة ذلك الشخص الذي تعرض للتنكيل اللاانساني على مدخل إحدى المدن الجنوبية لمجرد حمله قنينة خمرة، أو ذلك الشاب والشابة اللذين انتحرا رغما عنهما ، بفعل الغازات السامة، لأنهما لم يجدا مكانا للقاء سوى سيارة مغطاة!ماذا فعلنا لمساحات المقدس التي باتت تقضم مدنا كانت تضج بالحياة والمتعة، فبات من المخيف ان تمارس اختلافك في مدن كانت منجما للاختلاف الايجابي ولم يعرف عنها التطرف والتشدد، فلم يعد بالإمكان للمرأة غير المحجبة ممارسة حريتها في وضح النهار في مدينة كالناصرية لأنها باتت مسقط رأس إبراهيم الخليل، ولا توقع حفل غنائي في مدينة مثل بابل لأنها بكل بساطة مثوى للعديد من الأئمة وهكذا.. لن أتحدث عما يعانيه الناس في المحافظات الغربية فالسكوت ابلغ.في العراق الجديد شهدنا تأسيس العديد من المراكز التي تعنى برصد مختلف الانتهاكات الا تلك التي تتعرض لها الحريات الخاصة والعامة. هل نحتاج لمبادرة تلاحق الانتهاكات وتأخذ على عاتقها تفعيل المواد الدستورية التي تحمي حرياتنا المؤجلة وتحرسها من الـ "قندهارات" التي تحاصرها؟
نقطتين شارحة :حرياتنا المؤجلة: قندهار تتوسع!
نشر في: 12 فبراير, 2012: 10:08 م