لندن/ عدنان حسين أحمد نظّمت جمعية الأكاديميين العراقيين في لندن أمسية احتفائية لتكريم الدكتور محمد مكية عن مجمل إنجازاته المعمارية وعطاءاته الفكرية والجمالية خلال رحلة حياته الطويلة التي امتدت منذ عام 1914 وحتى الآن. أدار حفل التكريم الأستاذ غانم جواد الذي منح فرصة الكلام الأولى لرئيس جمعية الأكاديميين
د. سعدي النجّار الذي رحّب بالحضور، وخصّ بالذكر منهم الدكتور محمد مكية وعائلته الكريمة التي حضرت حفل التكريم. وقال بأن الجمعية قد دأبت على تكريم القامات السامقة من الأدباء والمفكرين والعلماء والمبدعين في مختلف مجالات التعليم العالي والبحث العلمي. وذكرَ بأن الجمعية تكرِّم اليوم علماً من أعلامنا المعماريين، وقمةً من قممنا الثقافية والفكرية الشاهقة نظراً لما أنجزه من مشاريع وأبنية وتصاميم معمارية بالغة الجمال. كما خرّج العديد من المعماريين العراقيين الذين تتلمذوا على يديه ونهلوا من ثقافته المعمارية الرصينة. ثم تحدثت السيدة هند مكية طويلاً مُسترجعة العديد من الذكريات والمواقف التي تتعلق بوالدها من جهة، وبالعائلة من جهة أخرى. أما الدكتور عبد الرزاق العيسى، المستشار الثقافي العراقي بلندن، فقد أثنى على توصيف الأستاذ غانم جواد حينما تحدث عن وطنية محمد مكية وحبه للعراق، وقال بأن هذه الخصلة العظيمة هي التي جذبت له الكثير من العراقيين واستقطبتهم إلى دائرته الفكرية والثقافية. الدكتور رشيد الخيون الذي تربطه بمكية صداقة شخصية وعمل متواصل في نادي الكوفة امتد لقرابة خمس عشرة سنة فقد قال: (لقد حاولت أن أكتب شيئاً عن د. محمد مكية لكي أقرأه هنا، وبالفعل كتبت خمس صفحات ثم مزقتها) وحجته في ذلك أنه كان يلتقي بمكية على مدى خمسة عشر عاماً ويزيد بشكل يومي، فكم من القصص والمواقف كان تقع بين أوانْ وآخر فماذا تنفع هذه الصفحات الخمس في تغطية هذا الكم الكبير من الأحداث والمواقف شبه اليومية؟ وأشار الخيّون إلى أنه ساهم (بتحرير اليوميات، وحاول مراراً أن يقنعه بإصدارها، لكن مكية كدأبه لم يرضَ على أحد). وصف الخيون جيل مكية بأنه (جيل نادر لأنه خرج مثل طائر الفينيق من تحت الرماد) في إشارة إلى أن مكية ولد في العهد العثماني وعاصر تأسيس الدولة العراقية التي انطلقت من الصفر، لكنها ظلت تتقدم إلى أمام ولم تتراجع. وقد شخّص الوضع آنذاك، بعين الباحث الأصيل والدقيق جداً، حينما وصفه (باطن متفتح وظاهر متشدد) أي عكس الحالة المزرية والمقرفة التي نعيشها اليوم وهي بحسب تشخيصه (ظاهر متشدد وباطن متشدد). كان الباطن المتفتح، كما يذهب الخيون، يسمح بظهور شخصيات مثل محمد مكية، ويسمح بقيام معارك أدبية وفكرية تطالب بالسفور وتنادي بحقوق المرأة وما إلى ذلك. استشهد الخيون ببيتين من الشعر قالهما أحمد بن بكر الكاتب برواية أبي منصور عبد الملك الثعالبي في يتيمة الدهر مفادهما:(لا تعجبنَّ من عراقيّ إن رأيت له / بحراً من العلم أو كنزاً من الأدب / وأعجب لمن ببلاد الجهل منشؤه / إن كان يفرّق بين الرأس والذَنَب). هكذا كان الإنسان في السابق، ونتمنى أن يبقى كذلك، لكن الوضع الراهن صعب جداً ولا يحُّض على التفاؤل كما يراه الخيون، فلا غرابة أن يلتجأ هذا الباحث الكبير إلى الماضي، والالتجاء إلى الماضي ليس خطأً من وجهة نظره. يشعر الخيون بأن شهادته بمحمد مكية مجروحة لأن هذا الأخير صديقه، وقريب إلى ذهنه، وربما يتعصب إليه. ولكي يثبت صحة ما ذهب إليه بأن العصر الذي عاشه محمد مكية كان منفتحاً بالباطن قال: (تسلمت النجف في عام 1912، رسالة من الدولة العثمانية تقول فيها أن كتاب داروين قد تُرجم وصدر فهل لديكم مانع من دخوله إلى العراق! سمعت المرجعية وتباحثت بالأمر لمدة أسبوع وجاء الجواب إن لا مانع لدينا من دخول الكتاب، لكن اسمحوا لنا بالرد عليه). فكم كانوا متفتحين آنذاك! وبالفعل ردّ عليه رجل دين اسمه البلاغي الذي توفي عام 1936 كما أشار الخيون. وهذا يعني أن المرجعية آنذاك لم تكفِّر أحداً، مثلما هي لم تكفِّر الإمام محمد حسين كاشف الغطاء الذي قال: (ومَنْ يأمن الناس من شرهِّ / أآمنَ بربه أم كفر) في ذلك الوقت. أكدّ الخيون بأن مكية يحب الكوفة جداً، ليس لأنها منطقة شيعية، بل لأنه يحب البيئة والمكان ويتمنى أن يُنسب إليه كل شيء جميل ورائع. ولهذا يقول الخيون: (أنا اقترحت وكتبت أكثر من مرة في ظل هذه الحمّى الطائفية الغبية والساذجة أن يشيدوا نصباً للإمام أبي حنيفة النعمان الذي قيل أنه قُتل أو مات في السجن سنة 150هـ). وتعجّب الخيون من أن البعض يتهم مكية بـ(الطائفية) وكل الناس تتذكر علاقاته الليبرالية الإنسانية مع يهود العراق ومسيحييه وكرده وبقية أطيافه المعروفة. واستغرب أكثر حينما قال البعض المتخرص إنه سمّى نادي الكوفة بلندن تسمية ناجمة عن تأثير طائفي، (ولو كان لمكية مثل هذا الحس الطائفي لما اقتربت منه). وأضاف الخيون (أن الكوفة كانت مسيحية، وقد اكتشفوا في الأيام السابقة مقبرة مسيحية كبرى تحت مقبرة وادي السلام)، ثم تساءل بحذاقة العارف مستفهماً: (إذا كان الأموات يتعايشون فما بال الأحياء لا يتعايشون)؟ ذكرَ الخيون بأن مكية أحب الجواهري ليس لطائفته، وإنما لإنسانيته وليبراليته ولكونه ابن البيئة التي يحبها. وعندما كتب قصيد
في حفل تكريمه بلندن..محمد مكيّة:عمري يوازي عمر الدولةالعراقيةشختُ والعراق مازال فتيا
نشر في: 13 فبراير, 2012: 09:09 م