احمد المهناأعتقد أن "فالنتاين" وحده يمكن أن يحل أزمة المرور في بغداد. تصوروا حبيبين يقيمان في حيين مختلفين، بينهما موعد بمناسبة عيد الحب اليوم، في مكان ثالث بعيد عنهما. فهل سيشعران بطول الطريق؟ هل سينزعجان من كثرة السيطرات؟ هل سيريان مفارقة بين وجهتهما الحبية وبين وجوه العساكر المنتشرة أمامهما في الطرقات؟ وهل سيختنقان من زحمة السيارات؟
أغلب الظن لا. فكل منهما مشغول باله بأشياء أخرى، مثل الهدية التي في اليد، والأخرى التي في يد الطرف الثاني، ثم الكلام المعد بالمناسبة من الجانبين، والمطعم أو المقهى الذي سيرتادانه، وملابسهما، وكيفية استهلاك الوقت الحالي، وربما التخطيط لليوم التالي أو المستقبل.وفوق كل ذلك هناك موجات العواطف التي تمور في دواخلهما، وتأخذ بهما إلى حيث يعرفان أو يجهلان، وكيفية تصريف تلك الموجات، أو التصرف معها. ثم هناك العزيمة على تمضية يوم جميل، وتناسي المنغصات أياً كانت.وكل هذه الأشياء ستعمي نظرهما عما يدور حولهما، لأن الحدقات مركزة على الدواخل، دواخل النفس، ناسية كل ما عداها من الخوارج، وعلى رأسها زحمة السير، والاختناقات المرورية. هذا يوم لا خارج فيه وكله داخل في داخل.إن القلب "يلعب لعب". وهو وحده يستحوذ على الحواس، ويحتكر الأحاسيس والمشاعر. وذلك سيجعل بنظرهم بغداد، أو أي مدينة أخرى لها مشاكل مرورية مماثلة، حلوة وطيبة وأميرة. من قال ان المحبة تنسق العالم والكراهية تبلبل العالم؟ أظنه غاندي، الرائد الأعظم لفلسفة الحب، والسائر في دربها الى آخر الطريق.. فحكمته تقول"أحبب عدوك"! والرجل كان يرى المحبة من منظور أوسع من منظور فالنتاين. ولعل المنظورين معا يمكن أن ينجحا في حل أزمة، أو فوضى المرور في بغداد. ففي كليهما من الرحابة، ما يحلها بالتعالي عليها، وإغماض العين عنها. أصحاب المنظورين قد ينسيان الطريق، وحشته وزحاماته وسيطراته، إذا كان الوصول إلى الهدف مضمونا.حل أزمة المرور في بغداد يمكن تحقيقه إذن بإحدى طريقتين، لا ثالث لهما، فالنتاين أو عقيدة غاندي. هناك في الواقع طريقة ثالثة، ولكنها محصورة فقط بالوزراء والنواب وأشباههم، فهؤلاء لا مشكلة لهم مع الاختناقات المرورية، لأن طرقهم سالكة دائما، ولو بقطع الطرق.من سيربح إذن من هذه الفئات المرور السلس ربحا دائما؟ إنهم المسؤولون وأنصار غاندي، وكلاهما قلة قليلة. أما العشاق فمربحهم يكون في يوم واحد فقط، هو هذا اليوم، فالنتاين. وحتى هذا اليوم الواحد الوحيد قد لا يكون حل أزمة المرور فيه مضمونا، إذا لم يكن حب العشاق حبا أعمى، أو إذا كان أحد الطرفين "أعصاب"، أو مستعجلا متلهفا إلى اللقاء، أو اذا تأخر أحدهما بالساعة أو الاثنتين عن الموعد. وعلى أي حال فانه يمكن للعشاق التأكد من مقدار حبهما للآخر من خلال موقفهما من أزمة المرور. فمن رآها منهما اليوم يكون حبه كاذبا، وصادقا من يكون قد تجاوزها: وهذا مقياس دقيق لاختبار الحب، وفائدة يجب ألاّ تفوت المعنيين!أما بقية الشرائح والطبقات، من غير الأصناف الثلاثة، فلن تحل مشاكلهم المرورية، لا في فالنتاين ولا في غيره. لنا الله!
أحاديث شفوية: فالنتاين وأزمة المرور
نشر في: 13 فبراير, 2012: 10:46 م