علي النجارمالمو 20ـ01ـ2012في إحدى قصص كتاب ألف ليلة وليلة الأثري، وحسب ما أتذكر، هناك قصة يرد فيها أن ثمة بناية، في إحدى مدن الهند،مكعبة الشكل(ربما هي معبد) تتوسطها كتلة معدنية(حديد) طافية وسط فضائها، لا يسندها او يدعمها أي شيء. لقد وردت هذه الحادثة المشهدية كمعجزة في زمنها، وكظاهرة غير مألوفة ومحيرة.
لكن يبدو أن جدران البناء المكعب كانت مغلفة بالمغناطيس ليضمن لهذه الكتلة توازنها ضمن فضاء الجاذبية المتساوي الجهات، وخلقت فعلها الادهاشي الافتراضي من خلال لغزها التكنولوجي الخفي. في ذلك الزمن الماضي. بعد قرون من ذلك الزمن. في عام(2009) وبتكنيك مشابه في أصوله، أو بما يقاربه، شاهدته في عرض (البينالي الخامس للكهربائية الفائقة) في قاعة فن مدينة مالمو السويدية (مالمو كونستهال). لقد حاول الفنانون الأوربيون المشاركون في هذا العرض، وكما سابقوهم، استخدام معارفهم او حيلهم التكنولوجية في إخراج أعمال تتمتع بكلتا الخاصتين(التكنولوجيا والفن) وأنتجوا لنا أعمالا قابلة للفرجة وإثارة الاسئلة في الوقت نفسه. لكني لا أعتقد بأن هؤلاء الفنانين على اطلاع بأقصوصة ألف ليلة وليلة. كما تكشف صيغ أعمالهم، لقد استقوا درسهم الإبداعي من مستجدات التكنولوجيا الكهربائية ومجال البحث الفيزيائي (لعلاقة كل منهما بالآخر). مع المحافظة (في بعض الأعمال) على مقاربات تأثيرية بانجازات رواد الفن الما بعد حداثي (دوشامب، بويز) وغيرهم. وأن كان هدف مصمم الفضاء المغناطيسي الهندي إدهاش المشاهد، وكما هذه الأعمال الفنية الاستعراضية. بالرغم من أن الوسائل أو الوسائط التنفيذية لكل منهم لم تكن تقليدية بالمطلق. لقد صنعت أعمال الفن(الافتراضي) هذه بوسائطها العلمية التكنولوجية التحويلية مناطق تفاعلية جديدة، ما هي إلا بعض من نماذج الفن التفاعلي التكنولوجي الجديد. كل الدلائل تشير إلى أننا نعيش عصرا تكنولوجيا معلوماتيا فائقا. بما نلمسه أو نشاهده، أو بما نسمع أو نقرأ عنه. فإن كان الأمر كذلك، فبالتأكيد إن هذه التقنيات التكنولوجية أخذت تعبر مجالاتها العملية التقليدية لتعم كل المجالات. وما العمارة والفن والأدب ودمج البيولوجيا الإحيائية والتركيبية والمكتشفات التقنية الصورية والصوتية وتشكيل تركيبات جديدة، إلا بعض من حقول مباحثها التطبيقية. ما عدا الاختصاصات العلمية والتطبيقية الأخرى، ووسائل التجارة والاقتصاد. لقد امتدت اذرع إخطبوط التكنولوجيا المعلوماتية الفائقة لتجوس دواخل أجسادنا بعد أن لامست قشرة جلودنا. في الوقت نفسه خلقت كائناتها الافتراضية، خيالات وأجسادا، تنتمي، او لا تنتمي لنا. وربما سوف تجالسنا وتستولي على حواسنا، أو، ربما تحاورنا قريبا أجساد الشاشة الثلاثية الأبعاد(ثري دي). لقد أصبحنا مكشوفين أمام نظرائنا الافتراضيين، وبتنا لغزا قابلا لإفشاء أسراره. إن لم تفضحنا كل عيون كاميرات مدننا الرقمية. ويبدو أننا أصبحنا نعيش أدوارنا التمثيلية أو التهريجية الجديدة، وعلينا أن نتقنها. قبل أن تضيعنا أرقامنا التكنولوجية الجينية الجديدة. لقد أصبح كل شيء بحدود الممكن تكنولوجيا تقريبا. اتخذت العمارة التفكيكية الجديدة شكل نتوءات وبعثرة أعضاء أجسادنا البيولوجية بفضل محفزات قدرات التقنية الرقمية وبرامجها التي تتطور باستمرار. وبفضل العلوم التحويلية. ولم يعد المعماري بحاجة للقلم والمسطرة وادوات الرسم الهندسي التقليدية. اصبح يمسك باجساد منشآته عبر شاشة الكومبيوتر ويطوعها خلقا عضويا جديدا وبزمن قياسي، مثلما يجسمها، او يجسدها. ولم يكن الفنان بعيدا عن ذلك، هو الاخر يخلق اجساده ومخلوقاته الافتراضية(سواء بجذر إنساني او حيواني او نباتي). وان كان النتاج الفني نخبويا، فهو الآن شعبي بامتياز بفضل الاستنساخ الالكتروني الفائق الجودة. وحتى بفضل شعبية الألوان الصناعية التي غطت مساحات واسعة من جدران أبنية مدننا برسوماتها الكرافيتية، إضافة إلى الألعاب النحتية الضخمة (سميتها العاب، أولا نسبة لمواد تصنيعها المعملية، وثانيا لكونها تشبه اللعب البلاستيكية التجارية، ما عدا المبالغة في حجومها). لقد أصبح زمننا، زمن الفن الشعبي بامتياز. لكن ليس بعيدا عن هيمنة السلطة الاقتصادية ومناوراتها التجارية. فهل أصبح الفنان المعاصر تاجرا. مثلما مؤسسات التجارة الداعمة أو المتبنية لعمله. اعتقد أن بعضهم كذلك. وهذا أمر لا بد منه لعلاقة بعض فروع التكنولوجيا بالاقتصاد. وزيت الماكنة الاقتصادية هو الفن (الميديا) وتوابعها التقنية. وما دام للتقنية المعملية دور في تنفيذ بعض أعمال الفنانين المعاصرين. فما يمنعهم من ممارسة دور تسويقه من خلال اختصاص تقني آخر، إن كانوا على اطلاع بخبراته. أكد هيجل (بان العالم المحسوس وهم(1) لأنه يقدم نفسه كواقع يكتفي بذاته، وإذا بوصفه مؤسس في الروح. الفن على نقيض ذلك، بمقدار ما يحول العالم المحسوس إلى مظهر(2) نتيجة التخيل الفني، يحوله في الوقت ذاته إلى تجل للروح(3) وإذا يكشف عن ذاته، عن حقيقته. عندما يصور النحت الكلاسيكي الجسد الإنساني كجسد نموذجي، كتجل للروح الإلهية المتحررة من كل نقص يرجع إلى الطارئ البيولوجي..)هيجل، بفلس
فن جديد لعصر جديد..الفن والإمكانات التحويلية التكنولوجية
نشر في: 14 فبراير, 2012: 07:28 م