علي حسين ذات ليلة من ليالي الشتاء دخلت سيمون دي بوفوار غرفتها، أضاءت الأنوار وجلست لتكتب، تدون ملاحظاتها وتتساءل أين المرأة من كل ما يجري في العالم؟، هل سيصبح بمقدورها ان تشارك الرجل في اتخاذ القرارات؟. كان ذلك عام 1949. اليوم أصبح العالم مسكونا بشيء اسمه المرأة، فلم يعد من الممكن تشكيل برلمان او حكومة في أي بقعة من العالم من دون النساء، وفازت امرأة مثل مارغريت تاتشر ابنة بقال انكليزي بلقب الشخصية الأكثر تأثيراً في العالم،
وأصبحت بلدان أمريكا اللاتينية تستبدل رؤساءها العسكر بنساء أنيقات، ذهب العصر الذي كانت تشكو فيه سيمون دي بوفوار من ظلم الرجل في كتابها المثير للجدل "الجنس الاخرة"، الكتاب الذي تمردت فيه على سلطة رجل مثل سارتر ورفضت ان تصبح تابعة له مطلقة عبارتها الشهيرة: لا "يولد المرء امرأة بل يصبح كذلك".وقد أثار الكتاب في حينه ضجة كبرى في فرنسا وخارجها وانتقده الكثير من الأدباء ومنهم احد أصدقائها الحميمين "ميرلو بونتي" الذي كتب في هجائه يقول : " كتاب يتسم بعدم اللياقة وبمخالفة الآداب العامة وبالوقاحة الصريحة"، واعتبره الحزب الشيوعي الفرنسي بأنه "إهانة للمرأة العاملة" فيما حرمته الكنيسة في روما، لكن سيمون دي بوفوار صمدت أمام جميع هذه الانتقادات لأنها صممت على خلق وعي ثقافي جديد في قضية المرأة اذ عرضت أوضاع المرأة من النواحي التاريخية والاجتماعية والنفسية والثقافية في القرن العشرين. حيث كانت المرأة تعاني اضطهاد الرجل الذي يتحول بفضل سطوته العاطفية عليها من إنسان بسيط الى رمز يشبه الآلهة.وتتساءل بوفوار إذا كان تاريخ النساء من صنع الرجال، فهل يعني ذلك أن المرأة هي التي سمحت للرجل بأن يعتبرها جنساً آخر؟ أم ان المجتمع هو الذي حكم عليها لتكون جنسا آخر؟ تابعا خاضعاً للرجل؟ وهل اختارت أن تكون في قفص عوضا عن أن تكون طائرا طليقا؟ وتضيف : "إن المجتمع هو الذي ساهم في خلق الصورة النمطية للمرأة لتكون أنثى، خاضعة للرجل، صنعها المجتمع لتكون جنسا آخر، ألغى شخصيتها وطمس إنسانيتها، واعتبرها أنثى بالمفهوم المطلق جسدا كمتاع، حسب أهوائه، لا يمكن للإنسان العاقل أن يختار العيش في قفص، إلا إذا حكمت عليه ظروف الحياة أن يعيش مقيدا بالأغلال " ، قبل سيمون أطلق شاعرنا الزهاوي دعوته الشهيرة لمنح المرأة حقوقها:وكل جنس له نقص بمفرده أما الحياة فبالجنسين تكتمل عندما توفيت سيمون دي بوفوار عام 86 قالت الفيلسوفة اليزابيث بادنتر: "يا نساء العالم، انتن مدينات بكل شيء لسيمون"، فبهذه الكلمة ودعت المرأة التي حرضت النساء على المطالبة بكل حقوقها لأنها "عالم آخر"وترفض ان تكون جزءاً تابعاً لعالم الرجل.تغيرت معالم وملامح السياسة والعدالة في العالم اليوم على نحو لا يمكن لسيمون دي بوفوار تصديقه، السياسة الخارجية لأكبر دولة في العالم بيد امرأة اسمها هيلاري كلنتون، فيما امراة اسمها ديلما روسيف تحكم 180مليون إنسان في بلد اسمه البرازيل، اليوم تتقدم نسوة العراق معتمدات على موهبتهن وثقافتهن ، وسحر حضورهن الطاغي وبراءتهن المدهشة الممزوجة بإصرار على مواصلة النضال من اجل عراق يتساوى فيه الجميع بعيدا عن النظرة القاصرة للجنس والطائفة والمذهب، وأظن أن المدى اصبحت تجسيدا لهذا التقدم للمراة فقد انفجر الرجال امس غيضا بعد أن بلغت سخونة تكريم نساء المدى حد حصولهنعلى مكافآت مالية سخية من رئيس التحرير ، ولم تعد لأبيات محمد صالح بحر العلوم أي فائدة:وفتاة مالها غير غبار الريح سترا تخدم الحي ولا تملك من دنياه سترا وتود الموت كي تملك بعد الموت قبرا واذا الحفار فوق القبر يدعو:أين حقي فخري كريم قلب الصورة امس وجعل من محمود النمر ينظر بعين الرجاء لزميلته نورا خالد تحمل بيدها ظرفا ثمينا وهو يقول:أين حقي؟!
العمود الثامن :النســـاء قادمـــات
نشر في: 14 فبراير, 2012: 11:31 م