حازم مبيضين تشهد إحدى قرى فلسطين حالة اجتماعية فريدة حيث يقيم زوج فلسطيني في منزل واحد مع زوجتين, اﻷولى فلسطينية عربية والثانية يهودية، ومعهم أطفاله من الزوجتين، ويبدو أن البعض ينظر إلى ذلك باعتباره مفارقة سياسية واجتماعية, في مجتمع اعتاد العداء بين العرب واليهود بعد نشوء دولة إسرائيل على أنقاض الوطن الفلسطيني, وبعد اتباع زعماء الدولة العبرية سياسات معادية للعرب الذين يتم تصويرهم بالوحوش المتعطشين للدماء,
أو الواقفين في درب تنفيذ الوصايا الإلهية, رغم أن علاقات الفلسطينيين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين مع مواطنيهم من اليهود كانت تتسم بالاستقرار والاحترام المتبادل قبل قيام دولة اسرائيل .الزوجة اليهودية لينور تؤكد أنها تواجه أحياناً صعوبات في التعامل مع الواقع الفلسطيني المحيط بها، حيث يتخوف المتزمتون الفلسطينيون من الحديث معها، غير أنها تعترف برضى أن كبار السن يتعاملون معها بشكل أفضل , وهؤلاء هم بالطبع الذين تعرفوا إلى اليهود, وتعايشوا معهم قبل نشوء الدولة العبرية, لكنها مع زوجها يؤكدان رفضهما في المستقبل ضم أبنائهما إلى الجيش اﻹسرائيلي, ولا ندري مشاعر الزوجة وهي تتفهم قناعة زوجها بأن أبناءه في المستقبل سيقذفون بالحجارة قوى الاحتلال اﻹسرائيلي ﻷن رابطة الدم واﻷرض أقوى من كل شيء .حالة الزوج الفلسطيني سامي أبوسباع الذي يبلغ من العمر٤٠ عاماً، ويعمل تاجر سلع مستعملة, ويقطن في وئام بمنزل واحد مع زوجتيه, رغم الخلافات العقائدية والسياسية المحيطة بهم, نموذج عملي على إمكانية التعايش بين أتباع الديانتين, وبالرغم من عدم معرفتنا بالأصل القومي للزوجة اليهودية, فان تاريخ التعايش بين العرب واليهود في فلسطين, فرض عليها وعلى زوجها ذهنية تقبل التسامح والتعايش, وصولاً إلى تشكيل عائلة واحدة, ربها الله الواحد, بغض النظر عن الأسلوب المتبع في عبادته, وهي عائلة أنجبت أطفالاً قد يكون لكل منهم إيمانه الخاص لكنهم في واقع الأمر إخوة يجمعهم دم واحد.مؤكد أن مايمنع تعايش العرب المسلمين والمسيحيين مع اليهود في فلسطين, هو المشروع الصهيوني الساعي لانشاء دولة يهودية ( نقية ), والتعامل مع معتنقي الديانات السماوية الاخرى بعدائية مستعدة للتعاطي مع كل الاسلحة, ومؤكد أن ذات المشروع هو الذي خلق شرخاً بين يهود العراق وبقية ابناء الرافدين, وانه لاهؤلاء ولا هؤلاء كانوا يشعرون بالتنافر مع الآخر, ولعل قراءة الإنتاج الادبي الرائع لليهود العراقيين الذين عاشوا في الدولة العبرية, يؤشر إلى حجم العلاقات الطيبة بين يهود ومسلمي العراق, مثلما يؤشر إلى حنين هؤلاء لوطنهم الأصلي الذي نقلوا إلى إسرائيل منه كل عاداتهم وتقاليدهم وموسيقاهم وتوابل مطبخهم, والذي يستدر ذكره دموع مآقيهم , وهذه دعوة لقراءة ما كتبه الاديب اليهودي العراقي الأصل شموئيل موريه في صحيفة إيلاف الالكترونية, للتعرف إلى مشاعر غالبية اليهود العرب الذين أجبرتهم الظروف على الهجرة من أوطانهم إلى إسرائيل.بالتأكيد لسنا بصدد الدعوة لتعايش مجاني يستند إلى وهم التفوق عند بعض ساسة اسرائيل, وإنما ندعو إلى تعايش يتمسك بحقوق الإنسان الطبيعية, ولعل من أبرزها حرية المعتقد, التي ينبذها العقل الصهيوني, وهو يتعامل مع معتنقي الديانات الاخرى باعتبارهم الأغيار الذين تجب الخشية منهم ومعاداتهم, وحرية الانتماء الوطني الذي تسعى الدولة العبرية لنزعه من عقول وقلوب الفلسطينيين, تعايش يستند إلى احترام الآخرين بدل مناصبتهم العداء, تعايش يعترف بحقوق الآخرين وآمالهم وتطلعاتهم, ولا يعتبر ذلك خطوات عدائية, تعايش تحض عليه كل الديانات السماوية, وإن كان المتزمتون اليوم يستندون إلى نصوص دينية مجتزأة, لتبرير تمييزهم لأنفسهم عن معتنقي الديانات الأخرى, تعايش يحتاجه الفلسطينيون بقدر احتياج الاسرائيليين, ويمكن أن يكون نموذجاً لكل المتنازعين ونبراساً يهدي خطواتهم إلى السلام والطمأنينة.
العرب واليهود وإمكانية التعايش
نشر في: 6 أكتوبر, 2009: 07:01 م