هاشم تايهما أن حلّ السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في البصرة في زيارته الأخيرة التي افتتح خلالها ميناء لتصدير النفط في الفاو حتى انتشرت على جدران مباني مركز المدينة وساحاتها، بسرعة قصوى، لافتات ترحّب به، وتشكره على هذه الزيارة باسم جماهير البصرة...
اللافتات، هذه المرّة، ليست تلك التقليديّة الفقيرة التي يخطّها، عادةً، خطاط بائس بالبنتلايت على القماش، بل هي لافتات تمّ إنجازها بوسائل تقنية حديثة وجرت طباعتها على رقائق صقيلة ملوّنة بأحجام طويلة عريضة..أن يزور السيد رئيس الوزراء البصرة التي تحمل النفط، وتعاني منه، ثمّ تنجبه لسواها، ليفتتح مشروعاً مهمّاً، أو ليقف، بنفسه، على خلل ما في المدينة، وليشرف مباشرة في معالجته، فذلك يعني أن الرجل يعي مسؤوليته، ويقوم بواجب يقع في صميم عمله، ومن صلب مهمّاته. وأن تقوم جهة ما بالترحيب بزيارته وتشهر هذا الترحيب في لافتات طويلة عريضة مذيلة باسمها الخاص وشهرتها، بعد أن تكون قد موّلتها من مالها الخاص، فذلك أمر مفهوم، ولها وعليها أن ترحّب بمن تشاء مادامت هي المرحّبة، باسمها المعلن صراحة، وليس أحداً سواها.. لكنّ المؤسف، أن الجهة التي موّلت طباعة لافتات الترحيب، وتولّت عملية إشهارها في جهات عديدة من مركز المدينة، لم تذيّل عباراتها الشاكرة المرحبة باسمها الخاص، أي أنها لم تنسب لنفسها هذا الترحيب الذي تحوّل، لهذا السبب، من خاص، إلى عام بإطلاق بالنسبة لمصدره:تعلن إحدى هذه اللافتات " جماهير البصرة الفيحاء ترحّب برئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي....". وتخاطبه أخرى بالقول "... شكراً لك من كلّ أهالي البصرة".هكذا تنطق الجهة، شاهرة عبارات الترحيب والشكر والثناء، باسم من تصفهم بـ (جماهير البصرة) من دون إذن منهم، أو تخويل، أو وكالة. ولا أحد يعلم من هي هذه الجهة، أهي المحافظة، أم مجلسها، أم منظمة حزبية معينة..وكما كان يقع في سالف سنواتنا المريرة يختطف لسانٌ ألسنةً، ليقوّلها قولته.. وتتكرّر اللغة المخيفة، مرة أخرى، وتُستنسَخ العبارة التي أشقتنا، وتتم تسمية مواطنين معانين في كلّ شيء في بصرتهم- الفيحاء بالشهرة فحسب- باسم (جماهير)، ويُنسب إليهم أنهم تجمهروا محتشدين في الشوارع وفي الساحات، بلا استثناء، مرّحبين بالسيد رئيس الوزراء وطاقمه، وهم في واقع الأمر قضوا يوميْ زيارته منصرفين إلى تحصيل قوت حياتهم، ومع همومهم الغالبة وعنائهم الأبديّ من الأعباء لم يرحّبوا بأحد، ولم يشكروا أحداً.. ولم تهتم هذه الـ (جماهير) بأن تشغل نفسها فتتجمهر في الميادين لتحية الحكومة الزائرة، ولم يتسن لها، أصلاً، أن ترى رجالها في فضائها الملوّث، بل مضت، كديدنها، متذمرة من كلّ شيء، محبطة ويائسة من كلّ شيء.. وعلى مدى الوقت الذي أمضاه السيد رئيس الوزراء في البصرة، كان هناك ما يشبه حالة طوارئ في المدينة؛ مروحيات ضاجّة في سماء خفيضة، واستنفار من الدرجة الممتازة لقوى الجيش والشرطة، وإغلاق لعدد من الشوارع، وزعيق مركبات خاطفة.. وفي غمرة حيرتهم ممّا يجري في بصرتهم تساءل الناس عن الأمر، ولمّا علموا أن الرجل الأول يزورهم، لم يكلّف أحدٌ منهم نفسه عناء أن يحمل لافتة وينتصب مع غيره مرحباً...أمّا أن تقول لافتة لم تصرّح بهويتها إنّ "جماهير البصرة الفيحاء ترحّب...." من دون تسويغ فذلك يعني أنها تقوم بمصادرة قلوب الناس وعقولهم حين يقول لسانها ما لم تتورّط فيه ألسنتهم...ختاماً... من خلف أمثال عبارات (جماهير البصرة ترحّب/ تهتف/ تبايع/ تزحف/ تفتدي...) يتسلل الطغيان، وتقع الدواهي، وتتعاظم الأصنام، ويحصل الذي حصل..بعد العام 2003 قال كثيرون إنّ علينا، بعد اليوم، ألاّ نصفق لأحد، بعد تجارب التصفيق الطويلة الماضية التي جرّت الأهوال.. لكن الغريب أننا ننسى الدرس و(ناكلها) كما تعودّنا!
حليمة وعاداتها القديمة
نشر في: 15 فبراير, 2012: 09:29 م