إلى هادي المهديطالب عبد العزيزذات يوم سيقف أحدنا أمام مرآته الكبيرة ،ليسأل وجهه الذي لن يبدو باسما المرة هذه،وقد مرَّ الزمن طويلا على القسمات البدوية ،العربية،العراقية ،التي ورثها أكان من الجنوب أو الوسط والشمال،وسيحاول كثيرا خداع صورته التي تتمرأى قلقة على الزجاج الذي يفصح كلما ابتعدنا عنه،وسيسأل نفسه السؤال التقليدي جدا ،من أنا؟ أنا من ؟ربما ينعقد اللسان ساعة،ساعتين، أكثر ،لكن الإجابة ستأتي ،لا محالة ،مهما حاولنا كتمانها لكنها ستنطق بما هو حقيقي،جوهري وأكيد.
سيقول كل منا كلمة واحدة وإن اختلفتْ في مفرداتها ،هنا أو هناك، لكنها أبدا ،ستكون ضمن دائرة لغوية معرفية واحدة،جملة واحدة،نقولها جميعا ،في علننا وسرّنا ،نطقنا بها أم لم ننطقها ،كتبناها أم ظلت حبيسة أنفاسنا ،الجملة الطويلة هذه ستقف أمامنا مثل جرح عميق لن يندمل أبدا،لأننا خسرنا كل شيء،لكني سأقول عن كثيرين الجملة تلك ،أقولها غير وجل ،وخائف مثل الآخرين ،تلك مسؤوليتي:أنا ...أين الأجداد الذين شقوا الأنهار الكبيرة والصغيرة،لكني ،ولكي أبدو بطلا أمامها ردمتها بالإطارات القديمة والعلب الفارغة وحين استعنت بالمحافظين والقائممقامين على إعادتها ثانية خذلتهم القوانين.وكانوا من قبل قد شيدوا عليها الجسور والقناطر،لأعبر عليها آمنا ،مطمئنا،أو لأتأمل مياه دجلة وهي تجري رغدا،لكني أغلقها بالحديد والكونكريت والدبابات، ولما شقوا طريقا بين النخل لبيتنا لأسلكها وسط الظلال والخضرة في النهار،صارت للمسلحين المجهولين،الذين لا حصر لهوياتهم في الليل،وهي ،غالبا ما كانت طريقي الأخيرة،وهكذا رحت أشتري البنادق والأسلحة الكاتمة والناطقة لا لأقتل أعدائي المعلنين والسريّين،من القراصنة والمأجورين والصكاكين إنما لأقتل أهلي في الساحات العامة وفي القاعات والأعراس والمآتم ومساطر العمال أيضا .فمن أنا؟ أطعمت أبني الرز باللحم،والحليب بالزبدة كي يصير بطلا في حلبات خلافاتي الطائفية والعشائرية،ثم أرسلته للمدرسة لا ليتعلم الفيزياء والكيمياء والرياضيات،إنما لأنه صاحب الدليل والحجة على أصل الخلافة،ولأنه حافظ للقرآن والسنة وأسباب النزول وبدلا من أن أقول له:"إن الأرض سبعٌ والسماوات أيضا،ضيّقت منها عليه،فصيرتها طائفتين،قبرين صغيرين.وحين أرت العزة له أسست له جيشا،أسميه الباسل والعظيم والتاريخي،لا ليقف على الحدود،إنما ليدخل بيتي عليَّ في الليل وينثر ثياب أمه وشقيقاته ،وحين شحت فرص العمل ومدَّ الجوع سيفه لرقبته طلبت له الوظيفة في الشرطة والبلديات،ولما أصبح شرطيا اشتريت له بندقية رشاشة،غير أنهم سرقوه مني،فصار جنديا في مليسشيا،صار جيشا إسلاميا،ولم اشتد ساعده موتا وفتكا جاءني وضح النهار وشتمني ببندقيته التي اشتريتها له،وحين اضطُر غير باغ وباغ ، وعمل في الشارع أجيرا ،منظفا قتلتهُ بعبوة ألقيتها له في كيس النفايات.فمن أنا ؟ أنا من ؟ كان لي تأريخ مشرق لكنه مات ساعة ألقيته على الحاضر،وكان لي مستقبل قتلته بالمحاصصة والديمقراطية القبلية،الطائفية،التي وصلتني من أمريكا توا،قلت لأَبني له مدرسة عله يرعوي فبنيتها لكنها سقطت عليه في بابل.،ولكي أشدد به أزري علمته الموسيقى لكنه حرم سماعها عليَّ في ما بعد ! زرعت له نخلا كثيرا في أبي الخصيب وشط العرب،على نهر في كربلاء والحلة والعطيفية والضلوعية لا ليأكل من تمره وينعه إذا أتمر وأينع إنما لتكتسحه الجرّافات،بحثا عن المتحاورين بالبنادق والهاونات وكنت قبل ذلك قد شيدت له من ساعدي مجدا في البصرة وبغداد والموصل والنجف وسامراء أتى عليه ملوك الطوائف بالتخلف والعنف وبالقصور الجديدة،وكنت قد ذكرت فيهم المثلبة والمثلبة فاتهموني بالكفر والزندقة والمروق! لا لأنهم أهل العدل والحكمة والموعظة إنما لأنهم أهل القتل والختل والمكر والصلف.فمن أنا ؟وحين أذَّنَ في الناس مؤذنٌ للانتخابات ،ذهبت،لا لأني أعرف هذا وذاك لكنهم قالوا بأن من لا ينتخب مأثوم مهان إلى يوم القيامة،حرّمت عليه زوجته، وما أكل بيمينه ولا شرب بها وعليه لعائن عاد وثمود،فذهبت لكي انتخب منهم من ينطبق عليهم قوله تعالى:(" وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ".ولما رأيتُ من أفعالهم ما رأيت طفح الكيل بي فخرجت قاطعا إصبعي صائحا: نادم أنا،نادم أنا، لم يجبني أحد منهم،قالوا اضرب رأسك بالحائط .فحسبت أنهم تركوني لكني صحوتُ على كاتم في رأسي.كانت وسادتي تخور بدم أحمر عبيط .فمن أن ؟ كي أقتل ،من أنا؟
قبل خراب البصرة.. عبر "الكاتم" في المرآة
نشر في: 15 فبراير, 2012: 09:31 م