أحمد عبد الحسينأخبار تتحدث عن عودة نشاط "جند السماء" بقوّة، وفيها أن القوات الأمنية تطوّق معاقله في "الحمزة" بمحافظة الديوانية. لا يجب أن يمرّ خبر كهذا مرور الكرام، فنحن للآن لم نفهم صعود هذه المنظمة الأسطوريّ، ولم نمحّص جيداً ملابسات قصفهم والقضاء عليهم، ولم نتبيّن ملامح توجهاتهم، مَنْ بقي منهم؟ أين ذهب الناجون من واقعة "الزركة"؟ ماذا جرى للمصابين في الموقعة؟
لم نسمع بجند السماء إلا لحظة الهجوم عليهم عام 2007، قبلها كانوا مجهولين تماماً، وفجأة ظهر أنهم جيش في ثكنة عسكرية مع نساء وأطفال، أسلحة كثيرة ومخططات لقتل المراجع الدينية وثورة في كربلاء لاحتلال المراقد المقدسة وعقائد غريبة عجيبة، يقود ذلك كله رجلٌ اسمه عبد الزهرة الكرعاوي كان عازف عود ومطرباً ثم أصبح إماماً ، يدّعي أنه تكوّن من نطفة أحد الأئمة وأن هذه النطفة كانت محفوظة في السماء، فهو والحالة هذه ابن علي بن أبي طالب!لكنّ هذه الرواية هي الرواية الرسمية للأحداث. لم يتسنّ لأحدٍ التأكد منها حتى الآن، والكتاب الوحيد الذي أصدره "الإمام الكرعاوي" لم يردْ فيه شيء من هذا القبيل، بقي ظهورهم ملغزاً، وحملة القضاء عليهم "التي قتل فيها المئات" أشدّ إلغازاً، وسائل الإعلام قابلتْ الحدث آنذاك بدهشة ألجمتها عن قول شيء، كانت الحرب الأهلية على أشدها، والحكومة خوّفت الناس بغرائب هذه الجماعة خصوصاً أسلحتها ونفوذها المتسارع في الشارع، نفوذ ليس أكثر دلالة عليه من تجنيدها المئات قبل أن يسمع أحد باسم السماء وجندها.اليوم لا ينبغي أن نندهش ونصمت، ظهر جند السماء على الأرض مرة أخرى، والحكومة تحاصرهم، وإذا حدثتْ موقعة جديدة فعلينا أن نفهم، من هم؟ من أين أتوا؟ ما مصادر تمويلهم؟ من يقودهم؟ كيف تأتيهم الأسلحة، وكيف أسسوا في الماضي كياناً هو أشبه بدولة مصغرة في غفلة من أجهزة الأمن؟ ما عقيدتهم؟ وهل نصدّق أساطير حيكتْ عنهم من قبيل أنهم كانوا موقنين بأنّ الرصاص لن يقتلهم كما أخبرهم إمامهم الذي قُتل لاحقاً وعرضتْ جثته في صورٍ غير واضحة تماماً؟ما بأيدينا يشي بأن هذه الحركة هي من ضمن ما يمكن تسميته بالحركات المهدوية "أي التي تتخذ من عقيدة ظهور الإمام المهدي المنتظر أساساً لها"، وهذا بحد ذاته لا يشكّل مخالفة قانونية أو دستورية، وبما أنهم ظهروا مجدداً ـ وبقوة كما تقول الأنباء ـ فإن على الحكومة أن تبيّن للرأي العامّ ما المخالفات القانونية التي تنطوي عليها ممارسات هذه الجماعة؟ هل هم إرهابيون؟ هل هناك وثائق بحوزة الحكومة تثبت أن المجموعة تخطط فعلاً لاغتيال أشخاص؟دون توضيحات كهذه، لا أظنّ أن "زركة" جديدة ستمرّ على العراقيين دون أن يتساءلوا عن سرّ هذه المنظمة السريّة التي لها أتباع كثر، تتم إبادتهم بالكامل ليعاودوا الظهور كما في الأساطير أو في أفلام الزومبي التي يراد منها تخويف الصغار.
قرطاس: جندُ السماء
نشر في: 15 فبراير, 2012: 09:32 م