TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :محسودة يابغداد

سلاما ياعراق :محسودة يابغداد

نشر في: 17 فبراير, 2012: 10:12 م

هاشم العقابي للعراقيين طباع بمزاوجة الأطعمة والأشربة لحد ان تجد فيهم من يرفض تناول هذا الطعام أو ذاك لانه يفتقد لصاحبه أو صاحبته. فالفلافل لا بد لها من العنبة. واللبن المنشّف لا يحلو طعمه الا مع التمر. وكذلك يصح القول عن علاقة الشاي بالهيل، والباجة بالطرشي، والتمن والماش بالروبة أو الدبس، والباجلة بالبطنج، والتشريب براس البصل، والبامية بالثوم، والكباب بالسماك، والمعلاك بالرشّاد، وشيش التكة بشيش الليّة، والطابك بالسمك، خصوصا عند اهل العمارة .. والقائمة تطول.
هذه المزدوجات حضرت ببالي البارحة، حين زارني محام بغدادي متقاعد جاء للقاهرة. كان الرجل في لهفة شديدة ليهدينا، انا ومجموعة من العراقيين بيننا مصري واحد، بطل عرق عراقي من النوع الفاخر. وحين وصل قمت له بالواجب وفرشت الطاولة بما تيسر من المزات التي تليق بمقام ضيفينا: المحامي والعرق. وعندما عمّرنا الكؤوس وصرنا على وشك ان نقول، كعادتنا في هذه الايام: "بصحتك يا عراق"، صاح المحامي: هاي شنو يا جماعة .. وين اللبن؟  أعدنا الكوؤس  للطاولة، فصفعنا المحامي بسؤال آخر لا يخلو من استغراب وتوبيخ: أتشربون العرق بدون لبن؟لم نجبه بغير ان هرول أصغرنا صوب اقرب دكان فعاد وبيده "سطلة" لبن مصري من نوع "جهينة". وصل اللبن فعاد ضيفنا وسأل: هل لديكم خيار؟ اجبته بالإيجاب، فتفتحت أساريره ونهض نشطا صوب المطبخ وكأنه ابن العشرين وليس ابن السبعين. سمعناه يدندن باغنية "ليلة ويوم" لسعدي الحلي واصابعه كانت منشغلة بتقطيع الخيار. وما هي الا دقائق حتى امتلأت الطاولة بست "كاسات" من اللبن بشقيه: "السادة" و "الجاجيك".جلست هذا الصباح وانا أفكر بسر هذه العلاقة "الجدلية" بين الخمرة واللبن عند العراقيين. ولماذا هي ضرورية عندنا لحد ان انفصامها كاد ان يفسد علينا سهرتنا الجميلة ليلة البارحة؟ وفجأة خطر ببالي ان صاحبي المحامي كان على حق. فالله اوعد عباده بجنة، جعلنا واياكم من اهلها، فيها: "انهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين". والله خالقنا ادرى بحاجتنا من غيره. وانه كما تعلمون، لم يفعل شيئا عبثا، بل إنّما يفعل لغرض ومصلحة. اذن لا بد من فائدة عظيمة لتلك العلاقة علمها عند الله وعند المحامي صاحبي.وعلى ذكر نهري الخمر واللبن، يذكر الخطيب البغدادي في كتابه" "تاريخ بغداد" ان كعب الأحبار قال: " نهر دجلة نهر اللبن في الجنة ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة". ومن يعلم أو لا يعلم، ان بغداد تقع في وسطهما وعند اقرب نقطة لاقترابهما من بعض. ومن يعش في مدينة تقع ما بين نهر من اللبن وآخر من الخمر، يدرك أفضل من غيره لذة وفائدة امتزاجهما. فطوبى لك يا بغداد يا من " منين ما ملتي غرفتي". قال الخليفة المنصور لحكيم من جلسائه ماذا تقول في بغداد؟ فاجاب: "جنة بين حماة وكنة يحسدانها". آه والف آه .. فانت لست منصورة اذن، كما يقولون، بل محسودة يا بغداد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram