شاكر الأنباري انعقاد القمة العربية في بغداد حدث كبير، ويأتي في ظروف استثنائية تعيشها المنطقة، والبلدان العربية على وجه الخصوص. وهذا الحدث اذا توج بالنجاح، فهو ربح كبير لأكثر من طرف، محليا وعربيا وعالميا. ولو بدأنا بالداخل العراقي لوجدنا ان الحكومة، والقوى الفاعلة فيها، التحالف الوطني تحديدا، ستكون من الرابحين الكبار، اذ انها، أي القمة،
تعطي مصداقية لتسيير شؤون البلد، وتوجهاته، وخطابه الفكري والثقافي، على الصعد السياسية والخارجية بشكل عام، اضافة الى المصداقية والشرعية على الصعيد الداخلي الخاص بالمجتمع وخارطته. فالسياسة التي استطاعت جمع كل هذا الكم من الدول العربية المتنافرة يمكن ان يشهد لها بالبراعة، رغم ما تعرضت له الدبلوماسية العراقية، خارجيا، من نكسات بسبب الاستعجال في تأييد هذا الطرف او ذاك في معمعة ما يسمى بالربيع العربي وثوراته المتواترة. أو حتى الارتباك الحاصل بتلك الدبلوماسية في هذا المجال. حياد العراق في هذه المرحلة ضروري لأنه يضعه محورا قائما بذاته، بدلا ان يكون تابعا لدولة ما لها مصالحها وسياستها وأجنداتها. والحياد في هذه المرحلة يدل على حكمة، وتوازن، بل هو ضرورة في لجة الفوضى، أمام ما يجري في البلدان العربية، سوريا والبحرين على سبيل المثال لا الحصر، وكانتا واحدة من المعضلات التي تعيق التئام اجتماع القمة في بغداد. وعلى صعيد القوى العراقية التي تناصب الحكومة الحذر، والتوجس، وتم علاقتها معها بالصراع، فهي فرصة لكي يعود العراق الى حاضنة طبيعية هي الجامعة العربية، وتوجهاتها السياسية، ورؤاها نحو المنطقة والعالم. وبالتالي يعتبر هذا الطرف ان وجود العرب في بغداد سيخلق توازنا مع التأثير الذي طالما وضعته تلك الاطراف على الطاولة، الا وهو التأثير الايراني. من هنا فحماس القوى المعارضة للحكومة لضرورة انعقاد القمة مبرر ومفهوم، وسيعتبر ربحا بالنسبة لها، وتفاعلا مع المحيط العربي، وهو الموقع الذي طالما طالبت به تلك القوى من الحكومة وأحزابها المؤثرة فيها. وعلى الجانب الكردي يعتبر انعقاد الاجتماع اعترافا بالتجربة الكردية وحكومة الاقليم، واعترافا بالحقوق التي حصل عليها الشعب الكردي دستوريا، وواقعيا، وهذا انجاز تاريخي وله تفاعلات مستقبلية تصب في مصلحة الشعب الكردي ذاته. فإلى سنين قريبة لم تكن سياسة الجامعة العربية الرسمية تقر بوضوح، وتعترف، بحق الشعب الكردي في انشاء اقليمه في العراق، وحقه بتقرير المصير. وبذلك تكون الجامعة العربية، في حلتها الجديدة، حاضنة اضافية لتجربة الاقليم، ورئة يتنفس منها الشعب الكردي، لا في العراق فقط بل في الدول الأخرى التي يوجد فيها الكرد. اما على الصعيد الدولي، ولنقل الطرف الذي ساهم في رسم الوضع الجديد في العراق، طوال العقد المنصرم، وهنا هو الولايات المتحدة الاميركية، يعد انعقاد القمة في بغداد اعترافا، بصيغة ما، بما فعلته اميركا وسياستها تجاه هذا البلد. ويعد اعترافا بانطواء مرحلة الاحتلال ونقص السيادة. واعترافا صريحا بالتجربة العراقية التي هندستها الولايات المتحدة الاميركية.ورغم ان تبسيط صورة الرابحين بهذا الشكل هو تنميط قسري، حيث أن اللوحة الشاملة ليست مرسومة بهذه الدقة او الوضوح، لكن الخطوط العامة تشير الى ان اغلب الأطراف المشار اليها ستربح من تحقق هذا الحدث التاريخي، ان حصل. والسؤال الذي ينبغي على القارئ، او المراقب، الاجابة عنه هو: من هو الخاسر اذن من انعقاد القمة في بغداد؟
كلمات عارية: كلهم رابحون
نشر في: 17 فبراير, 2012: 10:36 م