احمد المهنا معماريا، على الأقل، لا أنسى دبي حين أتذكر مدنا كلندن وباريس. في منطقة (الطرف الأغر)، وسط لندن، يمكنك أن تتخذ موقعا معينا، فترى المعمار الرصين المعتق يحيط بناظريك من كل جانب، كأنك وسط متحف أخاذ من المباني، والنصب، ولكنه متحف حي، مأهول، بين شوارع، وسيارات، وناس، وفي قلبه "ساحة الطرف الأغر" نفسها التي لا يفارقها حمام، ولا سياح، ولا متظاهرون أقلها اسبوعيا.
ولكن من مواقع أخرى بالمنطقة، أحرص ان لا أكون فيها حين اقرر الاستمتاع بذلك المعمار، يطل مبنيان عصريان كأنهما نشاز مباغت في عمل موسيقي جليل. وهو نشاز مزعج حقا. مزعج لك ولو لم تكن انكليزيا. فحين يستحوذ الجمال، المصنوع بعبقرية البشر، على العين فإنه يصبح ملكها. ولذلك تحتج العين اذا شابت مثل ذلك الجمال شائبة. مع ابداعات البشر يمكنك تجنب الشوائب، خلافا لإبداعات الطبيعة. فالأخيرة لا تستطيع معها اصلاحا لأنها شغل الخالق. أما النشاز في مشهد معمار "الطرف الأغر" فشغل المخلوق الممكن تلافيه.الفرنسيون لا يسمحون بمثل هذه النشازات في معمار وسط باريس، الذي لا يمله بصر، ولا تنساه بصيرة. ولربما كان هذا الحرص الشديد مظهرا من مظاهر " الوطنية". والفرنسيون آباء هذه الوجهة الحديثة في تاريخ العالم. أما الإنكليز فلعلهم أقل وطنية، أو أقل تشددا.وشأن باريس تجد في بعض مناطق دبي الجمال المعماري المتكامل، وهو، كما يقول الخبراء، خلطة فريدة من لاس فيغاس وسنغافورة وميامي. منطقة برج خليفة، مثلا، وهي مركز دبي، نموذج معماري بهيج، ممتع، وشاب: مبان ذروة في الأناقة حول بحيرة تتقاسمها مجموعتان من النافورات. وتنطلق هاتان المجموعتان كل نصف ساعة في رقصة مائية هائلة، طورا على أنغام موسيقى كلاسيكية، وتارة على ألحان أغاني كوكب الشرق.والناس من كل الجنسيات ملتمة حول البحيرة بانتظار انبعاث قامات المياه الراقصة. وأبعد من هذا الجمهور، وأعلى مكانا منهم، هناك زبائن المطاعم والمقاهي الذين يقومون من مقاعدهم للاستمتاع بالفاتنات المائيات الراقصات. أما أعلى النظارة فهم "أصحاب البخت" من سكان او نزلاء برج خليفة، وهو الأعلى في العالم.وهذه ليست المنطقة المنفردة بالجمال المعماري في دبي. كما ان المعمار الأنيق لا ينفرد فيها بالنجاح. الإمارة كلها قصة نجاح. فهي الأفضل في العالم على مستوى الخدمات. والملفت ان أعدادا كبيرة متزايدة من خيرة الكفاءات الشبابية في أرقى بلدان الغرب تحلم بالعمل والإقامة فيها.التنوع الإثني والديني وجه آخر لمعجزة دبي، ففيها مليونا نسمة من 180 جنسية! وهذا ما دعا الباحث الأميركي زاكري كارابل في مؤلفه "أهل الكتاب" (ترجمة د. أحمد إيبش - دار الكتاب العربي) الى التساؤل: "هل دبي هي المستقبل؟". ما سر نجاح دبي؟كارابل يفسره بعدم تأثر حكامها بتاريخ الصراعات: " لقد تخلصوا من أعباء الماضي، واستبدلوها بميزات الفرص التي يبدعها التعاون والتعايش.. والبحث عن الأفضل للحياة.. دون الاهتمام بالمبادىء والمعتقدات والكره".لا جديد! مجرد تذكير آخر بأن ما وراء كل خراب هو تقديس" المبادىء والمعتقدات والكره"، واشعال نيران هذه الأبالسة بالناس والمسرة والمحبة: أوليست هذه هي مأساة الجمهوريات العربية؟
أحاديث شفوية :هل دبي هي المستقبل؟
نشر في: 17 فبراير, 2012: 10:55 م