علي حسين هل يفكر ساستنا بكتابة تجربتهم في الحكم، ماذا لو قرر رئيس الوزراء نوري المالكي ان يكتب عن سنواته التي قضاها وهو يتربع على رأس أعلى سلطة تنفيذية، ما حجم مسافة التقدم التي قطعتها البلاد في سنوات حكمه؟ ما هي نسب النمو والتطوّر والتقدم ومستويات الدخل؟. ما هي المشاريع التي اعتمدتها الحكومة لتنمية قدرات هذا البلد النفطي؟ والأهم ما مقدار الاستقرار الذي تحقق؟
تثبت لنا تجارب الشعوب المدى الذي يمكن ان يصل اليه الفعل البشري، حين تتضافر الجهود والنيات الصادقة في بناء وتطور الاوطان. أليس مذهلا ومثيرا، ونحن نقلب مذكرات باني سنغافورة الحديثة "لي كوان" فنجد ان رجلا مثل دنغ شياو بينغ، خليفة ماو، يطلب مساعدة زعيم دولة في حجم سنغافورة، في نقل تجربته الى الصين؟ سنفاجأ ونحن نقرا هذه المذكرات المثيرة كيف ان بنغ كان يذهب بنفسه سرا للقاء لي كوان ليطلب مشورته، ونعرف، ان التحول الصيني، الذي قد يصبح اهم حدث في التاريخ المعاصر، كان من عمل رجلين ماركسيين. احدهما زعيم اكبر حزب شيوعي، والثاني كان ينتمي الى جناح ماركسي متطرف في جنوب سنغافورة.قبل ثلاثة وأربعين عاما نفى ديغول نفسه الى قرية في الجنوب كي يكون بعيدا عن مجرى الاحداث هناك يكتب في مقدمة مذكراته "لاشيء اهم من فرنسا مستقرة "، كان لا يملك اكثر من ان يمازح الفلاحين حول محاصيلهم، ويجلس ليسطر، اهم ما خطه سياسي في التاريخ، مذكراته التي اسماها " مذكرات الامل " الامل بفرنسا اكثر تطورا وازدهارا وعافية. تخبرنا انديراغاندي في مذكراتها، بأنها ظلت تضع في مكتبها وردة وحيدة تذكرها بالوردة التي كان يضعها أبوها جواهر لال نهرو، وكان يشبكها في ثوبه الهندي الأنيق.. ولا أظن أن أباً أثر في حياة ابنته كما فعل نهرو. وقد ألف عام 1934 كتاباً عنوانه (رسائل من أب إلى ابنته). في واحدة من اجمل تلك الرسائل التي ترجمها الى العربية الراحل احمد بهاء الدين يكتب نهرو عن معنى المساواة فيقول لابنته "خذي ولدين أو بنتين على درجة واحدة من الاستعداد وأعطي أحدهما تعليماً واحرمي الآخر من التعليم وسوف ترين بعد سنوات قليلة أن ثمة فارقاً هائلاً بين الاثنين، أو أعطي الواحد طعاما صحياً كافياً والآخر طعاماً رديئاً ناقصاً.. وسترين ان اولهما سينشأ قوياً سليماً صحيحاً في حين يصبح الآخر ضعيفاً يائساً عليلاً. إذا فالتربية والثقافة والبيئة التي ينشأ فيها الانسان تتسبب في خلق كثير من الفروق بين الناس الى حد كبير. كل هذا ممكن. وهذا ما يتعلق بالضبط بفكرتنا عن الديمقراطية والمساواة ".اتمنى ان يقرأ جميع سياسينا مذكرات تشرشل ليعرفوا كيف استطاع هذا الرجل الضخم ان يعيد كتابة التاريخ وان يسطر هذه الكلمات المدهشة :"المتعصب هو شخص لا يريد أن يغير رأيه ولا يريد أن يغير الموضوع، أما الوفاقي فهو شخص يغذي تمساحاً آملاً أن يكون آخر من يأكله".‏ في الصفحات الاخيرة من مذكراته يكتب نيلسون ما نديلا "اذا كان الناس قادرين على تعلم الكراهية فلابد وانهم قادرون على تعلم الحب، ففي احلك اوقات السجن حينما كنت اساق الى حافة القدرة على الاحتمال كنت ارى وميضا من الانسانية في احد الحراس، ربما لمدة ثانية، لكن كان ذلك الوميض يطمئنني.تزدهر الامم بقادة يصرون على اشاعة روح التسامح والامل والعدالة الاجتماعية، بينما نغرق نحن مع ساسة لا يتوقفون لحظة واحدة عن بث الكراهية والتفرقة الطائفية ورفض الاخر والاهم الاصرار على الاستمرار في السلطة حتى النفس الاخير.rn
العمود الثامن : هل يفكر في كتابة مذكراته؟
نشر في: 17 فبراير, 2012: 10:56 م