TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: بين نابليون وآينشتاين

أحاديث شفوية: بين نابليون وآينشتاين

نشر في: 18 فبراير, 2012: 10:14 م

 احمد المهنايقول نابليون "ساحة المعركة ولا قاعة الامتحان". أما بالنسبة الى آينشتاين فقد كان منظر جنود سائرين في طوابير كافيا لأن يجعله يبكي. وهذا ليس فرقا بين شخصين فحسب، بل بين عصرين، وبين حساسيتين تجاه" القتل".
ولعلنا مازلنا أقرب الى نابليون منا الى آينشتاين. فمنظر الجنود لا يفارق ابصارنا، دون عين تدمع ولا قلب يخشع. كما ان مأثور الإمبراطور يتردد على ألسنتنا وأقلامنا، وكأنه لحن من الألحان، وحكمة من درر الزمان، دونما أي التفات لفظاعة تفضيل القتال على التعليم. ان الإمتحان تجربة في تنمية العقل. أما القتال فمأساة ناتجة عن تنحية العقل.والقاعدة هي أن كل عمل من أعمال الأنسان يخضع الى الإمتحان. ولكن الإمبراطور بمنزلة الآلهة وبالتالي يشق عليه التصرف كالناس.والناس بوجودهم تحت سلطة الإمبراطور جميعهم عبيد وهو وحده الحر. وبما ان الناس على دين ملوكها " الأحرار"، فإن كلا منهم يحلم بالإرتقاء الى مصاف الآلهة، ليحظى بالحرية، وينجو من الإمتحان، أو يتخلص من قدر الإنسان.ولكن حرية الحاكم الإله وهم، لأن حاكم العبيد هو نفسه عبد أيضا. فالحرية لا يمكن ان تكون مسألة شخصية، وانما هي مسألة عامة، تحكم فيها علاقة الفرد بالإخر بالف رباط ورباط. وببساطة فأنه مثلما لا يمكن ان تكون سعيدا وسط تعساء، فإنك لا يمكن أن تكون حرا بين عبيد.ولعل نابليون كان أحد آخر الآثار الكبرى لعصور طفولة البشرية. الطفولة بالمعنى التاريخي، والطفولة بالمعنى العادي. والطفل، كل طفل، دكتاتور. حاجاته ملباة دون جهد. ورغباته أوامر. واذا تعذرت تلبية شيء من ذلك لجأ الى اسلحته المتاحة، من بكاء وصراخ أو عض ورفس. وكل ذلك يقبل منه لأن عقله لم يركب بعد، لأنه لم يتعلم الحوار، ولأنه عاجز. و"استبداده" ليس الا نتيجة هذا العجز.وهذا العجز يفرض التعامل معه بأقصى درجات المحبة والشفقة والرقة، لأنه طفل، أي مخلوق في الدرجة الكاملة من الجمال. واذا كان لابد من تدريبه شيئا فشيئا على سياسة الثواب والعقاب، لتعليمه الصح والخطأ، والشعور المسؤولية، فانها ينبغي أن تظل سياسة لينة، مخففة، يشطب من برامجها " الامتحان" شطبا تاما.وهذا ما أصبحت تتبعه مناهج التربية والتعليم الحديثة في الغرب. اذ الغت الامتحانات من المرحلة الابتدائية الغاء تاما، وأجلتها الى المرحلة التعليمية التالية مع بداية عمر الصبا، وبشروط مخففة الى حد ما.ان تجنيب الأطفال أحمال الكبار، مثل الإمتحانات، يشبع طفولتهم، ويغنيهم عن الحاجة اليها عندما يكبرون.ثم أن طبيعة الامتحان نفسه ينبغي أن تتغير، من تجربة إكرام أو إذلال، الى تجربة في الشجاعة والكرامة في الاعتراف بالإخفاق وتحمل تبعاته.ومثل هذه الشجاعة أكبر من قدرة طفل كما انها فوق طاقة نابليون. ان نابليون "امتحان" المحكومين. أما تلويحه بامكانية خضوعه لامتحان ففضل ومنة عليهم. ولعل الكثيرين منا يتمنون لو لم تكن هناك انتخابات، لأنها نوع من الإمتحانات. وهم لذلك يرددون عبارة " ساحة المعركة ولا قاعة الإمتحان"، ويستغربون حساسية آينشتاين من الساحة، وجنوحه الى القاعة. أما لو وجد آينشتاين بيننا فلربما كان سيكفر بالقاعة ويتفرغ الى اللطميات مع وجود كل هذه السيطرات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram