TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: على بساط الريح

أحاديث شفوية: على بساط الريح

نشر في: 19 فبراير, 2012: 10:08 م

 احمد المهنا عام 1979 خرجت من بلد صحافة جادة جدية مرهقة للغاية، إلى بلد صحافة ملونة من أقصى الجد إلى آخر اللعب: لبنان. ويومذاك بدت الحرب الأهلية في بلد الأرز بردا وسلاما قياسا إلى الحكومة الشمولية في بلد النخل.
وهناك تلقيت الدرس الأساس في الصحافة. أدمنت قراءة الأخبار وعناوينها في جريدتين. كانت صحيفة (السفير) نارا كبرى. أما صحيفة (النهار) فكانت رصانة كبرى. هناك الأشياء مكبرة عشرات المرات. والأشياء هنا معروضة بحجمها الطبيعي. وبين اتجاهين، بين صحافة الرأي وبين صحافة المعلومات، كان هناك فرق! وكانت صحافة الرأي هي المنصورة في ذلك الزمن. وكان مثال "النهار" نادرا. وقد استهواني وبدأت منذ ذلك الوقت أحاول التجذيف في مياهه. ولكنني كنت اضطر إلى الفشل في ذلك اضطرارا.وفي دمشق التي انتقلت لها مطلع عام 1981 عملت في مكتب إعلامي فلسطيني. وشق السوريون الفلسطينيين، أواسط 1983، وجاؤوا بجماعتهم واحتلوا المكتب، وأخرجوا الأصليين. وطلعت مع الأخيرين احتجاجا. لكن هؤلاء قالوا لي أن أمورهم المالية ستضطرب، وانهم يتفهمون وضعي كغريب إذا بقيت مع المتمردين، وان المهم هو ضمان وضعي المعيشي. ومن المنشقين أيضا من تفهم وضعي ودعاني إلى البقاء في المكتب. هما جماعتان غريبتان أجادتا الشعور بالمسؤولية تجاه مصير فرد غريب.أما أنا فقد اعتذرت من الطرفين. أحببت مرونة وتفهّم الجانبين. وهذا مما لم أعتده بين بني قومي، لأنهم عندما يختلفون لا يفكرون بخط رجعة. وعلى أية حال فقد شق علي البقاء، وشددت الرحال إلى قبرص. وبعد أيام من الدوخة في البلد الغريب تعرفت على مجموعة منشقة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة. وكانت تلك الجبهة في خريف 1983 رأس حربة في المعركة السورية لإخراج ياسر عرفات، رحمه الله، من مدينة طرابلس. وكان زعيم منظمة التحرير يحاول العودة إلى لبنان من شباك طرابلس، بعد أن أخرجه الغزو الإسرائيلي صيف 1982 من باب بيروت. وسلكت أموري لبضعة أسابيع مع تلك المجموعة الطيبة، على أحسن ما يرام، فقد كان كيسها عامرا بقبضة جيدة من عرفات.ماذا فعلت لها؟ كتبت لها البيانات! وكان بعض تلك البيانات يخرج ساخنا، خلافا لطبعي، فيرتد ذلك على معدتي اختناقا بالغازات، وعلى أعصابي اكتنازا بالتوترات. وهذه الشغلة كما ترون من باب الاضطرارات لا من صحافة المعلومات. وكان ذلك، ولله الحمد، آخر عهدي بهذا النوع من الاضطرارات. وفي تلك الأوقات كان الخوض في صحافة المعلومات مكلفا للغاية. سليم اللوزي صاحب مجلة (الحوادث) أحد أكبر أبطالها، ولذلك أصبح أحد أكبر شهدائها. وربما كان التنافس على دمه يجري بين بعثين، سوري وعراقي. الأول سبق. ولو انتظر ربما امسى حتفه نصيب الثاني، خصوصا وان مجلة اللوزي قدرت في وقت مبكر من عام 1974 أن ستالين قادم لا محالة الى العراق، ولكنها تساءلت: من سيكون، صدام حسين أم شفيق الدراجي؟وكنا في العراق يومذاك بعيدين كل البعد عن هذه الرؤية الجازمة لمصير البلد. فقد كان عقلنا محلقا على بساط الريح في السماوات. ونسأل الله أن نكون قد هبطنا من ذلك الطيران، وعادت  أقدامنا الى أرض البشر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram