أحمد عبد الحسين من تحت قبة البرلمان أتانا خبر عاجل: أن النوّاب يريدون سيارات مصفّحة لهم ومخصصات دائمية لعلاجهم خارج العراق. استبقوا إقرار الموازنة ليضمنوا حصتهم، مع أن بعضهم يملأ الدنيا ضجيجاً بالكلام عن ضرورة إلغاء المنافع الاجتماعية وتقليل رواتب المسؤولين، لكننا نعرف أن أغلب هذا الكلام لغو محض، وأن الزهد يحتاج إلى نفوس كبار، أدركنا منذ زمن بعيد أنها لا تتوافر بكثرة هناك، تحت قبة البرلمان.
مللنا من انتقادهم، وملّ العراقيون من الدعاء عليهم، وملّ الدين ـ حتى الدين ـ من التبرّؤ منهم، حصّنوا أرواحهم بجلود تماسيح لا تتأثر بالنقد ولا يجرحها الدعاء ولا تنفذ إليها اللعنات، والآن يريدون تحصين أجسادهم بسيارات مدرّعة. ممّ هم خائفون؟ ما عدد السادة النوّاب الذين استهدفهم الإرهاب؟ كم منهم قُتل في حادث إرهابيّ؟ أم أن الوجاهة اكتملتْ ولم يعد ينقصها سوى مصفحة؟ ماذا قدّم النائب لشعبه كي يستحقّ هذه الميّزة التي ستكلّف خزينة الدولة الكثير؟ لم يريد السادة المبجّلون إثارة العراقيين والاستهانة بهم؟ ألأنّ العراقيين سكتوا عليهم طويلاً، أم لأن دعاءهم ولعناتهم لم تعد شغّالة، فقد تيقّن السياسيون أن السماء أغلقتْ أبوابها في وجوه العراقيين!أغلب هؤلاء يطالعوننا صباحَ مساءَ بهذر عن تحسّن الوضع الأمنيّ، فإذا كان أمننا قد تحسّن فما نفع المصفّحة؟ كيف يمكن لشخص يدّعي أنه منتخب من قبل الشعب أن يبطر هذا البطر ويريد نهب مال الدولة ليزيد وضعه "الآمن تماماً" أمناً على أمنٍ، وهو يعلم أنّ العراقيّ يخرج من بيته ولا يعلم إنْ كان سيرجع أم لا؟ كيف ينام ليله من أشاد أمنه على ثلم أمن بني قومه؟ هل أخطأنا حين جلبنا إلى قبة البرلمان رجالاً ونساءً بارعين في تنويم ضمائرهم وضمائرهنّ؟ليس في برلمانيي العالم ـ المتقدم والمتخلّف على السواء ـ من له هذه الامتيازات، ويطالب بالمزيد. شأنه شأن نار جهنم التي لا تمتلئ ولا تشبع أبداً.المعضلة الكبرى أن النسبة الأكبر من نوّابنا الأشاوس لهم "قدم ثابتة" في التديّن على ما يظهر من سيمائهم وإكسسواراتهم ولقلقة ألسنتهم، لكنهم ـ بخبرة اكتسبوها خلال السنوات الماضية ـ يستطيعون تأجيل صوت الدين، كما استطاعوا تأجيل صوت الضمير.لا أعرف من هذا القائل: "إن معجزة الأديان خرق الطبيعة، ومعجزة السياسة خرق الأخلاق"، لكني أصادق على كلامه الآن، يجعلنا بعض الساسة في حالة اندهاش أبديّ، لقدرتهم على كسر كلّ نظام أخلاقيّ، وعلى تجاوز الحدّ الأدنى من اللياقة الأخلاقية، وعلى صلافتهم في تحدّي مشاعر شعبٍ أعطى خيرة أبنائه قرابين لإيصال هذه النماذج التعبانة إلى رفاهيةٍ في العيش يحسدها عليهم رؤساء دول عظمى.أفكّر أحياناً: لو كان العراق شركة، لاستطعنا "بعشرة في المئة من أموال المسؤولين" أن نتعاقد مع خيرة عقول العالم السياسية لتحكمنا، بربع الأموال التي يحصل عليها سياسيّ عراقيّ بطرٍ، نستطيع أن نجلب كيسنجر ليعمل سياسياً عندنا .. وهو الممنون.ما فضل "أصحاب المصفّحات" علينا؟ ما العبقرية التي يحوزونها وتوجب علينا أن نراهم يتصفّحون ونحن في العراء، وأن يذهب أحدهم للعلاج خارج العراق حين يصاب بنزلة برد، بينما يضطر العراقيّ المسكين لأن يموت يومياً في مستشفيات مريضة!السادة النوّاب، أنتم مصفّحون ضدّ دعائنا ولعناتنا وانتقاداتنا فلماذا تريدون مصفّحات؟
قرطاس: مصفّحات برلمانية
نشر في: 19 فبراير, 2012: 10:23 م