TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الإسلام السياسيّ وعقدة المرأة

الإسلام السياسيّ وعقدة المرأة

نشر في: 19 فبراير, 2012: 10:27 م

د. فارس كمال نظمي الزميلات العزيزات، الزملاء الأعزاء: أسعدتم صباحاً. وأعتذر أولاً عن تعذر حضوري شخصياً لتقديم مداخلتي في حلقتكم الفكرية النقاشية المهمة هذه. كل الاعتزاز والتقدير لكم ولمؤسسة المدى التي لم تفارق دورها التنويري الشجاع في أحلك الظروف التي مرت بها بلادنا خلال السنوات العصيبة الماضية. فشكراً للمدى على دعوتها لي، وشكراً على ديمومتها في الساحتين الفكرية والإعلامية.كلما أردتُ الكتابة عن قضية المرأة وحقوقها ومظلوميتها المتراكمة في العراق، وجدتُ مقولة "كارل ماركس" الخالدة ماثلةً أمامي:
((في ضوء علاقة الرجل بالمرأة يمكن للمرء أن يصدر حكماً عن درجة التطور الكلي للإنسان. إن خاصية هذه العلاقة هي التي تقرر إلى أي حدٍ قد اقترب الكائن البشري من نفسه كإنسان....وإلى أي مدى يصبح فيه السلوك الطبيعي للإنسان إنسانياً، وإلى أي مدى يصبح فيه الجوهر الإنساني في الإنسان جوهراً طبيعياً ... )).واليوم وبعد مرور تسع سنوات على اللحظة التي دشن فيها العراق عصرَ الإسلام السياسي الحاكم في منطقة الشرق الأوسط، عادت إلى الواجهة السوسيوسياسية من جديد مفاهيمُ "العفة" و"العورة" و"العار" و"الاحتشام" بوصفها أعز المسميات "الشرف–جسدية" التي أنتجها العقل "الذكوري– اللاهوتي" في رحلته الصراعية الطويلة مع مُثُـــل التنوير والمساواة والعقلانية.لا أريد أن أخوض اليوم في البُعد الحقوقي الجندري لهذه المعضلة البشرية المزمنة، وما ترتب عليها من انتهاكات فظة تجاه المرأة العراقية جرى توصيفها وتوثيقها علمياً وإعلامياً ومنظماتياًعلى نطاق واسع في حقبة ما بعد العام 2003م؛ بل أودُ التنقيب عن الجذر "الانثروبو- نفسي" لما يمكن الاصطلاح عليه بــــ"عـقـدة الـمـرأة" التي باتت تشكل ركناً أساسياً من سيكولوجية الإسلام السياسي. وقد جاءت آخر التمظهرات المرضية الجلية لهذه العقدة عبر التعليمات الصادرة  مؤخراً عن وزارة المرأة في العراق بتقييد حرية الملبس لموظفات دوائر الدولة بدواعي "الحشمة" و"العفاف". وهنا أزعمُ أن "عقدة المرأة" لدى الإسلام السياسي عقدة مركبة ثنائية البُعد (جنسية – ثقافية) نتجت عن التفاعل الجدلي بين هذين البُعدين على مدى التأريخ الاجتماعي للإنسان. فالمجتمعات الشرقية ومنها المجتمع العراقي، تؤمن في غالبيتها السكانية، ومنذ قرون بعيدة، أن "شرف" المرأة يكمن في جسدها بالأساس، وليس في عقلها أو شخصيتها، بل أن جزءاً مهماً من شرف الرجل نفسه صار يتحدد بمدى "عفة" جسد زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته أو قريباته. وإذا كان الرجل هو الذي سنّ هذا التشريع أو المعيار أو القيمة لأسباب تتعلق بسعيه "التأريخي" لتوطيد مكانته القيادية في الأسرة والمجتمع، من خلال تأمين ممتلكاته وتوريثها الآمن إلى ذريته، فإن جسد المرأة كان لا بد له  من أن يصبح جزءاً من هذه المِلكية "المقدسة" التي ينبغي أن لا تمس، بوصفه – أي جسد المرأة – جزءاً ملحقاً بذات الرجل من جهة، ولكونه "وعاءً" بيولوجياً لإنتاج ورثته المنتسبين إلى دمه من جهة أخرى. وبالتدريج، وبالاتكاء على أساس متين وفرته الايديولوجيا الدينية المرتبطة نفعياً بمصالح طبقات الكهنة، استحالت هذه القيمة الاقتصادية-الاجتماعية إلى ثقافة سلوكيةٍ سائدة، وإلى عقدة نفسية راسخة لدى الجنسين على حد سواء، آليتها الكبت الجنسي، الذي صارت تتباين درجته من مجتمع إلى آخر طبقاً لدرجة تطور البنية العقلانية العامة للمجتمع.ولنحاولْ الآن استنطاق عُنصُرَيْ هذه العقدة التي ورثها الإسلام السياسي الذكوري لكونه امتداداً معاصراً لذلك الاتجاه الفكري التأريخي القديم الذي استند إلى آليات التحريم والتعهير والتعوير بوصفها وسائل "مقدسة" ناجعة لإذلال نصف المجتمع وجعله ملحقاً بنصفه الآخر:• العنصر الأول (أي البعد الجنسي للعقدة)•  المرأة ليست أكثر من "شيء" أو في أحسن الأحوال هي "مخلوق" منتج للذة الإيروسية فحسب، وجدتْ لإشباع الغريزة الذكورية.• ولأنها الوحيدة المالكة لسلطة منح اللذة للرجل، وبدونها يتعذر ذلك، فيجب إذن تقييدها بالممنوعات والمحظورات لئلا تكتسب استقلاليتها وتمارس حرية منح اللذة أو حجبها متى شاءت عن الرجل.• إنها سلعة ممتعة تخضع للخزن والتداول حسب الطلب الذكوري ((احتشمي وتبرقعي وتحجبي بأزياء أنا أحددها لك فأنا مولاك ووحدي من يحق له أن يأذن لك بعكس ذلك حينما أشاء وأينما أشاء)).• ((نحن الرجال المتأسلمون غيورون من بعضنا حينما يتعلق الأمر بأملاكنا وسلعنا، ولذلك اتفقنا أن نكبح جماح كل النساء لئلا يستمتع بعضُنا علانيةً بهن - ولو بالأبصار فقط- في غفلة من بقية الرجال. أما أن نقوم بامتهانهن بالتحرش أو الاغتصاب أو الزواج العُرفي أو المتعوي أو المسياري فهو مباح لنا ما دام لا يحدث علانيةً ولا يخدش كبرياءَ بعضنا)). • فعل التحشيم أو التحجيب يراد به القول لا شعورياً بأن ثمة "فضيلة" نحن الرجال فرسانها وحماتها والمدافعون عنها. وبتعبير أدق: إننا فضلاء وأبناء صالحون للقوى الإلهية العليا.• التابو (أي جسد المرأة) وظيفته هنا أن يضفي ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram