د. رغد السهيل البدايات دائما صعبة بكل أمر، وبداية كتابة مقال يتعلق بقضية المرأة العراقية أيضا صعبة لسبب واحد إنني أحتار من أين أبدأ ؟ فهل أبدأ بمناقشة الفكرة العلمية خلف تحديد نوعية حذائي للنهوض بواقعي؟ أم يتوجب أن أبدأ بهذا الحشد الهائل من الرجال أكثر من النساء، الذي رأيته بعيني في دار المدى بالمتنبي يوم الجمعة الماضي، ونحن نعرض الخطوات العملية الفعلية ضمن برنامج محدد الأفكار للنهوض بالمرأة العراقية وبالتالي النهوض بالأسرة فالمجتمع فالوطن؟
شتان ما بين الاثنين، فالأول كلّ همه محصور بنوعية حذائي، والآخر يسمع أنين وجع المرأة العراقية محاولاً أن يضع لها حلولاً جذرية لا مهدئات ومسكنات. ربما يعتقد البعض أن فئة من النساء يعانين من نوعية أحذيتهن فأراد أن يحل تلك المعضلة، من خلال توجيهنا بارتداء أنواع معينة من الأحذية كي لا تؤلمنا أقدامنا الجميلة! وغاب عن بال هؤلاء أن المرأة تستطيع تغيير نوعية حذائها متى شاءت دون الحاجة لتعليمات من لجان، لكن أية أرملة تستطيع زيادة راتبها الشهري الممنوح من الدولة؟!، وأي عراقي بمقدوره زيادة وقت الكهرباء الوطنية لنصف ساعة إضافية؟!، وأي معاق يستطيع أن يجد البديل لساقه؟! المحاولة التي كانت في شارع المتنبي وحدها جديرة بالتوقف الحقيقي ..ذلك موقف تاريخي، أجمل ما فيه انه خرج من قلب دار الفكر والكتب والثقافة، من دار المدى، لأن الفكر الحقيقي إذا أراد أن ينطق فانه سينصف والمثقف الذي لا دور له شيطان أخرس. كان إنجازاً بعمل ميداني حقيقي، وبعيداً عن منظمات المجتمع المدني، التي تنفخ منذ سنوات في بالون مثقوب، ولا تجد من يسمعها ..اليوم الكل سمع .. أطياف العراقيين كافة سمعت ،الفقير والغني المرأة والرجل والأطفال أيضاً، وحتى هؤلاء النسوة المتسولات كن حاضرات أيضاً حيث سألتني إحداهن وهي تبيع الحلوى و تلف عباءتها الرثة حولها: لم هذا التجمع (شنو صاير أشو هوسه)؟قلت لها: للمطالبة بإنصاف النساء.قالت لي: (رحمة لوالديك أكو مسؤول هنا أقول له إنني أرملة ومريضة صاحبة 6 أطفال وصار لي سنتين أحاول الحصول على منحة الأرامل دون نتيجة، وما عندي فلوس أروح أراجع كل يوم لدار الرعاية!) حتى المتنبي شعرت بروحه حاضرة وهي تنطلق من تمثاله مشيراً بأصابعه نحونا:لا يمكن إحداث أي تغيير في أي مجتمع ولا يمكن أن تنجح أية قضية مالم يكن خلفها فكر مستنير بتجارب الآخرين، ومتذكر لأرواح شهيدات العراق اللواتي كنّ معنا جميعهن. لا تصنف القضية ضمن حقوق المرأة قدر ما هي حقوق شعب بأكمله اختزلوها بنوعية الحذاء! فحق الحياة الكريمة لكل الفئات من الأرامل والأيتام ونساء العراق المنهكات، خصوصاً أولئك اللواتي ينبشن بأكوام النفايات باحثات عن قوت عيالهن، وقضايا المعاقين والمعاقات، والكهرباء، وإنارة العراق، والماء الصالح للشرب، وإيجاد الدواء للمرضى المعدمين، وتعليم الأولاد في مدارس لائقة، كلها قضايا أهم بكثير من نوعية حذائي الذي كان أحد تعليمات لجنة النهوض بالمرأة!ليست القضية أن ننجح أو نفشل بما نطالب به، قدر ما تتوقف على كيفية التفكير، وما هي أهدافنا الحقيقية، أهي حقاً النهوض أم التقييد والتكبيل لأكون محصورة الفكر بنوعية حذائي؟ شخصياً أعتبر العاشر من شباط 2012 يوماً تاريخياً عراقياً محضاً، بجدارة وببساطة عميقة لأنه انطلق من الشارع، لم يكن في فندق خمس نجوم، ولم نكن نجلس في قاعة فخمة ونوزع الملفات، وندعو الشخصيات فيتم التصفيق ونتحدث بالإعلام، ثم نتناول الطعام وبعدها قبلات الوداع؛ إنما كان يوماً مميزاً في وسط شارع المتنبي الذي أنجب منذ عشرات السنين نازك الملائكة وسافرة جميل حافظ ونزيهة الدليمى وأمينة الرحال وبنت الهدى وبولينا حسون وسواهنّ ومن هذا الشارع أردنا حقاً النهوض بعلمية وعملية بالواقع المؤلم للمرأة. تساءلت وأنا أبصر تلك اللوحة الرائعة التي وضعتها دار المدى على بابها في شارع المتنبي من نجوم عراقية نسائية شكلن مواقع مهمة في المحافل المحلية والدولية والعالمية: ما نوع الأحذية التي كانت ترتديها هؤلاء النسوة؟ وحاولت أن أربط بين نجاح هؤلاء النسوة وبين نوعية أحذيتهن فبحثت عن أي كتاب في المكتبات التي حولي، لم أجد كتاباً يكشف لي نوع علاقةٍ كهذه بين الفكر والحذاء، لذا أعذروني لن أصدق الفكرة لأنني إنسانة علمية. في نفس الوقت وجدت أمامي طرحاً عميقاً متفهماً أبعاد حاجاتنا كبشر، بمعزل عن الجنس، لذا أتقدم إلى دار المدى وإلى أشقائنا الرجال الذين ساندونا ووقفوا معنا هناك بتجمع شعبي وتاريخي، لكل هؤلاء أتقدم بالشكر العميق باسمي الشخصي وباسم كافة نساء العراق اللواتي شعرن بعمق الإهانة حين يتدخل أحد باختيارهن نوع أحذيتهن، وأعذروني فأنا أفضل الحذاء الخفيف لأتمكن من حمل عقلي الثقيل وزناً ونوعاً!
أعذروني فأنا أفضّل الحذاء الخفيف
نشر في: 20 فبراير, 2012: 08:24 م