سرمد الطائي الحرائق التي تنشب في مكاتب دينية وحسينيات في المدن الشيعية، تعيد طرح تساؤلات كثيرة حول "مرجعيات دينية" محدودة التأثير، لا ندري كيف نشأت ولا اين تتجه بالضبط. والحكاية التي بدأت قبل 3 ايام، تحركت بشكل غامض على شكل حريق في مكتب تابع للسيد الصرخي، ثم جرى الرد بالاعتداء على مؤسسات او شخصيات محسوبة على المرجع الاعلى السيد علي السيستاني،
والامور لم تنته حتى صباح الاثنين حين حصل حادث مشابه في الديوانية ويخشى المرء ان يتطور الموقف، خاصة وانه لا توجد ميليشيا تابعة للمرجع الاعلى تهاجم مكاتب الصرخي، بل من الواضح ان اشخاصا يتعاطفون مع مرجعية النجف او يزعمون ذلك، يقومون بـ"الرد" او يجري تحريكهم من جهة ثالثة ضد اتباع رجل الدين المذكور.ولعل حركة السيد الصرخي تشبه حركة الحسني اليماني التي اشتهرت في البصرة قبل 2008، كما تشبه حركة اقل حدة ينتشر اتباعها بين ديالى وبغداد تلقب زعيمها بـ"الامام الرباني"، فضلا عن تيار جرى وأده تقريبا قرب الكوفة قبل ستة اعوام يقوده "قاضي السماء".الحركات هذه تشترك في امور عدة. منها ان زعماءها وانصارهم لا يعترفون بالمرجعية في النجف، ويجدون انفسهم بدلاء "صالحين" لها. ومنها ان كل "الزعماء" هؤلاء غامضون على المستوى العلمي، فلا هم تلقوا دروسا كافية تجعل منهم خبراء في اللاهوت واصول الدين والفقه والشريعة، ولا تركوا اثارا علمية تصنفهم كفضلاء او باحثين علماء في مجال الدين، بل لا تتاح حتى محاضرات دينية واضحة يمكن من خلالها التعرف على شخصياتهم العلمية او خططهم للرعايا المؤمنين.وتستمر نقاط الاشتراك بطريقة دراماتيكية، فهؤلاء كلهم مثلا يشبهونني في الاعتراض على سياسة ايران في المنطقة ودورها في العراق، ويشبهون السيد ابراهيم الجعفري في كونهم يختارون صياغات لغوية غريبة عجيبة في التعبير عن افكارهم، بحيث انك لا تكاد تفهم شيئا من نواياهم او مقاصدهم!وليس ما يجري اليوم خطيرا في حد ذاته اذ سيجري تطويق الموضوع في اي لحظة خاصة بالعثور على المحرك الاساسي له وهو غالبا من خارج الوسط الايماني الديني، لكن الخطورة تكمن في تخيل امكانية ان تنشب مثل هذه الصراعات في لحظة فراغ مرجعي، مع غياب المرجع الاعلى وانشغال المؤمنين بالبحث عن خليفة له. اذ ستكون ايران معنية بملء الفراغ بقدر الجهات الشيعية في البلدان الاخرى، ولا ندري طبيعة الاساليب الشريفة وغير الشريفة التي سيلجأ اليها المتصيدون في الماء العكر، لمحاولة ملء الفراغ المرجعي بطريقتهم الخاصة، بما في ذلك تحريك هذا التيار المغمور او ذاك لتأجيج نزاعات مسلحة للتخلص من مرشح كفوء هنا او حرق اوراق مرشح قوي للمرجعية هناك.والبحث في شأن الحركات الدينية المنتسبة لـ"المهدوية" امر يبدو ترفيا، فنحن محتارون في كيفية حل مشكلة طارق الهاشمي ومنع الاحتقان بين الطوائف، كما نحاول ان نتخيل كيف سيلبي المالكي حاجاتنا الكهربائية ويحول دون ظهور احتجاجات "مكهربة" في الصيف القائض المقبل.. لكنني اتذكر لقاء مع احد اتباع "السيد الفلاني" في البصرة قبل خمسة اعوام، حيث سألته: لماذا تتبع هذا الرجل وكيف اصبح هو المفضل بين خياراتك الايمانية. فأجابني: يكفي ان السيد الفلاني بعث برسالة الى رئيس امريكا جورج بوش افتتحها بقوله "انا الذي تراه في منامك كل ليلة".. حيث يفترض هذا "المرجع المغمور" انه يظهر كل ليلة في منام جورج بوش ويهدده بالويل والثبور ان هو لم يوافق على مطالب حركته المنتسبة للمهدوية والمفتعلة لألف نزاع مع باقي التيارات الدينية.ولا ادري هل قرأ جورج بوش رسالة كهذه، وهل رأى "السيد الفلاني" في منامه ام لا، لكنني ادري انني ومعي الملايين من ابناء هذا الشعب المهتوك، نرى في منامنا كل ليلة، الف امير حرب يريد اثارة العنف بأي ثمن، ويحلم بنصب نفسه اميرا علينا بلا اي مقاييس معقولة، ويصوغ ركاما هائلا من العبارات غير المفهومة، بمثابة تعويذات ساحر رديء، يكون ضحاياها شابات وشباب لم يحظوا بتعليم كاف، ولم يتح لهم مستوى حياة كريمة، وأكلهم اليأس والاحباط بسبب كل مراكز القوى السياسية والدينية والمالية التي تعبث بمصائر البلاد والعباد. اننا نراكم في كوابيسنا كل ليلة.
عالم آخر: الحرب المقدسة و"ما تراه في منامك"
نشر في: 20 فبراير, 2012: 09:51 م