عبد الرحمن ادريس صالحقبل الخوض في غمار تحديد ما للمرحوم الحفيد وما عليه (الايجابيات والسلبيات الشخصية ان صح التعبير)، لابد من ادراك بعض المسلمات الرئيسة، التي من الضروري اخذها كبديهيات في دراستنا هذه، وهي:
أ ـ لايمكن لاي شخصية في التاريخ ان تتجاوز مرحلتها التاريخية اطارها الفكري، فالناس وليدو التطور التاريخي في اطار مرحلتهم التاريخية وهم افراز مباشر لحالة الوعي الاجتماعي و الفكري للمرحلة الزمنية التي يعيشونها، فهم وان حققوا حالة تطور معينة في واقعهم الاجتماعي والفكري فمن المؤكد سيستمدون حالة التطور تلك من خلال خيوط النسيج المتاح لهم في ذلك الاطار. ب ـ تولد بعض الشخصيات التاريخية وتتحرك في اطار تاريخي وفكري يسمح لهم بالتحرك باتجاه تحقيق حالة وثوب في الواقع الفكري والاجتماعي حين تكون الامور مهيأة عمليا لحالة الوثوب تلك، الا ان بعض الشخصيات في التاريخ تولد في حالة اضطراب سياسي وفكري واجتماعي تؤدي الى احباط تطلعاتها على الرغم من بذلها جهودا جبارة لتحقيق ما تصبو اليه والشيخ محمود الحفيد البرزنجي من الشخصيات التي ولدت تاريخيا وشقت طريقها في خضم اضطراب سياسي وفكري واجتماعي واقتصادي اعقب نهاية الحرب العالمية الاولى (1914- 1918) وحين بدأ نشاطه السياسي واجه الكثير من عوامل الضغط احبطت تطلعاته القومية والسياسية.نعود لنحدد بعض الجوانب الايجابية في شخصية الشيخ محمود الحفيد، منها:1-الالتزام الديني: من العروف عن الشيخ محمود الحفيد انه كان رجلا ملتزما دينيا وربما ينحدر من عائلة عرفت بالتزامها الديني وظل هو سائرا على هذا النهج حتى وفاته، ومنحته هذه الصفة مكانة مرموقة بين الكرد والعرب، مثلما منحته على اتباعه ومريديه، وهذا ما يفسر صمود العديد منهم معه حتى في احلك الظروف.2-الالتزام القومي والاخلاص لكردايته، كان الشيخ محمود الحفيد مخلصا لقوميته مثلا اخلاصه لدينه، وتشير مواقفه السياسية الى انبهاره بكرديته وارضه كردستان واذا ما اخذنا بشهادة الضابط البريطاني ادموندز والذي يعد احد ابرز المعارضين للشيخ محمود الحفيد انذاك، فانه يشير الى ان هواء كردستان المسكر الذي يستنشقه الشيخ محمود الحفيد وهو في طريقه الى السليمانية قد يمحو بسرعة الحدود الضيقة التي تفرض عليه.3-تميزه بشجاعة مفرطة وصلابة يفتقر اليها العديد من الزعماء والقادة المحليين، ونجحت حركته في جلب الانظار الى اهمية القضية الكردية على الصعيد السياسي والدولي، مثلما اججت الشعور القومي لكرد العراق خاصة وكرد المنطقة عموما، فوجد له انعكاسا واضحا في الادب الكردي المعاصر.4-الحس الوطني كان ميزة اخرى تميز بها الشيخ محمود الحفيد فنضاله ضد الاستعمار البريطاني في كردستان، لم يكن منفصلا عن النضال الوطني ضد الاحتلال فكان حريصا على الخسائر بالمحتلين بعد ان كانت له مشاركة بارزة في معركة الشعيبة (جنوب العراق) لصد القوات البريطانية المتقدمة نحو بغداد.5-اهتمامه بعلوم الدين والشعر والادب وعلوم اللغة اذ دخل الكتاتيب ودرس القرآن الكريم فضلا عن دراسته العربية وعلوم الشريعة والفقه والتفسير والمبادئ الصوفية وتعلم اللغة التركية والفارسية، كما كانت له اسهامات في الشعر.6-اعتزازه بشخصيته ورفضه الاقلال من شأنه حتى وهو في موقف الضعيف كما في حادثة امير الكويت والتي عبر فيها الشيخ محمود عن موقف لايتكرر، دلل فيه على علو نسبه وقدره وهو في طريق عودته الى عرينه في حدود عام 1922 بعد المدة التي قضاها في المنفى.7-كان الاهتمام الذي اولاه الشيخ محمود الحفيد في الصحافة بمثابة صفحة مشرقة من صفحات النظال الكردي في كردستان الجنوبية (كردستان العراق) ومؤشرا هاما على تور ملموس في الجانب الفكري للحركات السياسية الكردية عموما، ومن خلالها تمكن الشيخ محمود من توجيه الجماهير والتعبير عن آرائه الفكرية والسياسية، كما حالفه النجاح في جمع عدد من المثقفين الكرد للعمل وتحرير تلك الصحف، مما كان له الاثر البالغ في رفد الثقافة الكردية ونشر الوعي الكردي التحرري.8-لايمكن اغفال النهج الذي سار عليه الشيخ محمود الحفيد في سبيل خدمة القضية الوطنية والقومية في مسألة الموصل، وباعتراف المسؤولين البريطانيين انذاك، كان الشيخ الحفيد ثائرا ذكيا يعرف كيف يوحي الى الاخرين بما يريد، حين لم يقم بأي عمل يربك نشاطه لجنة العصبة اثناء وجودها في السليمانية، مكتفيا بايقاد المشاعل على جبال كويزه المطلة على السليمانية بهدف اشعار المقابل بانه موجود فضلا عن السعي للترحيب وابداء الرغبة لبقاء الموصل ضمن الحدود العراقية، في الوقت الذي يفسح المجال لعدد من الزعماء الكرد ليعبروا عن رغبتهم الحقيقية في ذلك الشان، والمعروف ان مدينة السليمانية وما جاورها من مناطق تابعة لها تتميز انذاك بوحدة عرقية اذ تسود القومية الكردية وعليه تكون المدينة مقياسا محايدا بين الطرفين فلا عربي ولاترك لقد تعامل الشيخ محمود الحفيد مع ذلك الموقف تعامل الثوار الذين يرتقون بمادئهم الى ناصية التجرد والى الحد الذي اثار تصرفه اعجاب اعدائه فبعد ان انهت اللجنة اعمالها وقدمت تقريرها، عبر الضابط السياسي البريطاني ادموندزفي السليمان
العوامل الايجابية في شخصية الشيخ محمود الحفيد "البرزنجي"
نشر في: 7 أكتوبر, 2009: 05:14 م