عمار السواد موضوع المرأة هو الموضوع الخلافي الرئيسي بين الأحزاب الدينية وغيرها من القوى ذات الطابع المدني، لهذا ليس متوقعا أن يلجأ تيار الإسلام السياسي في العراق إلى القيام بإجراءات جذرية سريعة ومباشرة تثير عليه الانتقادات والضغوط.
المتوقع هو أن يلجأ هذا التيار إلى إجراءات تدريجية وفق أسلوبي جس النبض وامتصاص النقمة، والهدف الرئيسي هو فرض الحجاب بالطريقة والأسلوب اللذين يحددهما العقل السياسي للإسلاميين. والدستور كان بداية هذه الإجراءات عبر وضع قضية "الأحوال الشخصية" في إطار الاختيار الديني وغير الديني، ما صنع سقفا مناسبا يحد من دور "الزواج المدني".مقررات وزارة المرأة الأخيرة حددت بشكل مسبق لكل الدوائر الرسمية أطراً لملبس الموظفات والطالبات. هذه المقررات تشير إلى انطلاقة جديدة وجدية لمرحلة متقدمة من نشر "التديين" المفترضة داخل دوائر الدولة، خصوصا مع وجود مقاومة متصاعدة تنعكس على طريقة اللبس والانتقادات التي تشهدها الدوائر والجامعات.تديين الدوائر كان يتم بطريقة هادئة وبدون مقررات رسمية، لكن هذا وحده لا يكفي لأنه لا يعطي مساحة حركة واضحة لأصحاب فكرة التديين، ويعطي فرصة لمعارضي هذه الظاهرة بالتمرد عليها ورفضها. لهذا تم اللجوء لمقررات رسمية تكون ملزمة باعتبار أن المقررات تعطي الفرصة للعقاب الرادع. فالمقررات بشكل وآخر تكشف عن حالة القلق التي تسود التيار الإسلامي من سلوك واضح لشرائح واسعة من المجتمع بدأت ترفض مظاهر الإجبار والإكراه على التديّن، لهذا متوقع أن يتوسع منسوب الإجبار في الفترات المقبلة انطلاقا من هذا القلق. المقررات، خلفيات وتساؤلات ونتائج:ـ وزارة المرأة تلجأ لقرارات ذات أولوية ثانوية بالقياس إلى احتياجات المرأة ذات الأولوية الملحة مثل البطالة والترمل والفقر والعنف الأسري... والتمييز في العمل.ـ المقررات تشير إلى حيثيات دينية وليس إلى مقررات مبنية لصناعة أجواء أفضل للعمل والمرأة، وهذا يجعلنا نتساءل حول أن المقررات الصادرة دائما تقدم موضوع العادات والتقاليد والخلفيات الدينية على قضية صناعة مجتمع منتج.ـ إن وزارة المرأة أصبحت خاضعة لتوجهات الأحزاب الدينية، بعد أن كانت في الغالب وزارة تدافع عن حقوق المرأة.. لقد تم توظيف الوزارة للمرة الثانية من قبل الأحزاب الإسلامية سابقا الوزيرة التابعة للحزب الإسلامي وحاليا الوزير المقربة من حزب الدعوة. ـ إن لمقررات الوزارة دلالة جديدة هي أنها تريد اخذ زمام المبادرة في الوزارات الأخرى، والسؤال هل يحق لوزارة المرأة، قانونيا، أن تتحكم بالمحافل والوزارات الأخرى بهذه الطريقة؟ـ إذا كانت الوزارة قادرة وتمتلك زمام المبادرة القانونية فلماذا لم تلجأ إلى معالجة مشكلات أخرى للمرأة موجودة في الدوائر؟ ـ إن المقررات لا تحدد كيفية تطبيق مقرراتها وتعطي الفرصة دائما للأيدلوجيين بأن يحددوا التطبيق الذي من خلاله يتعاملون مع النساء المخالفات، فالمقررات عائمة ما يعطي الفرصة للتعامل بطريقة كيفية مع المقررات. إن هذه المقررات تندرج ضمن محاولة شاملة لتديين دوائر الدولة بشكل تدريجي، وهي لا تختلف كثيرا عن التصريحات الأخيرة لوزير التعليم العالي التي تحدث فيها عن نية تغيير المناهج بما ينسجم مع الثقافة الإسلامية. ـ كما أن هذه السياسة تندرج ضمن سلوك إسلامي عام يشمل العالم العربي بشكل كامل، في مصر وتونس وليبيا، فالفتاوى الجديدة وتصريحات الحاكمين الجدد للبلدان العربية والمواقف التي قد تتجه إلى منع أي حريات مدنية في المستقبل.ـ هذه المقررات محاولة جادة لصناعة ما فشل رجال دين ومؤسسات متطرفة بعمله عندما شنوا حملة ضد "السفور".rnالإعلام وكيفية التعاملـ لم يقم الإعلام بأي رد فعل حقيقي تجاه هذه المقررات، فهناك ضعف إعلامي، منشأ الضعف أن مقررات الوزارة جاءت في لحظة سياسية حرجة جعلت منها قضية ثانوية بالنسبة لاهتمام الإعلام بالقياس إلى قضايا أخرى تمثل مأزقا سياسيا تستقطب وجهة الإعلام أكثر.ـ إن هذه المقررات لم تلق رد فعل مماثل من قبل النخبة مثل رد الفعل الذي حصل من قبل المثقفين عندما أغلقت البارات قبل عام.. رغم أن تحديد شكل لبس المرأة مسبقا هو بداية لمنع أي تحول حر وهو يساعد القوى الاجتماعية التي تسعى لإغلاق الطريق أمام أي تحول قد يتيحه حصول رغبة بنزع الحجاب.ـ وسائل الإعلام عليها أن تراقب بشكل كامل عملية التطبيق لمقررات الوزارة، لأنه إذا كان هناك مشكلة في المقررات فإن تطبيقها سيصبح مشكلة أكبر لأنه خاضع لتوجهات ذكورية ودينية متطرفة.ـ الوزارة إلى الآن تمتنع عن إعطاء تفصيلات من خلال وسائل الإعلام تحدد حيثيات مثل هذه المقررات، ولهذا فان على وسائل الإعلام المطالبة بمزيد من الضغط والتغطيات كي تضطر الوزارة للكشف عن حيثياتها بشكل كامل وكي يكون الحوار علنيا وجادا وليس مجرد مقررات تصدر بشكل فوقي.ـ على الإعلام أن يتعامل مع الموضوع ليس باعتباره قمعا للحريات فقط، بل من خلال المعطيات والصلاحيات القانونية المتاحة، فالدستور لا يتيح التدخل بشكل الملبس والمأكل والمشرب، ولا يوجد أي نص قانوني يجعل من حق وزارة المرأة
الإعــلام وإجــراءات وزارة المــرأة
نشر في: 21 فبراير, 2012: 08:08 م