TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: حرب رمزية

قرطاس: حرب رمزية

نشر في: 21 فبراير, 2012: 08:09 م

 أحمد عبد الحسينليس الخلاف العقائديّ الشيعيّ ـ الشيعيّ جديداً أو غريباً أو طارئاً، ففي مذهبٍ مفتوحة فيه أبواب الاجتهاد على وسعها لا يعدم المرء وجود وجهات نظر متباينة تصل إلى حدود التنافر الذي أدى في أحيانٍ كثيرة إلى فتاوى تكفير وتكفير مضادّ، وهناك شواهد تأريخية على ذلك أكثر من أن تحصى.
 ماحدث مثلاً مع الملا صدرا الذي اعتزل في جبل "كوهك" بقمّ لسنوات "هارباً من أهل العمائم" كما ذكر في أحد كتبه، وما حدث مع الشيخ أحمد الإحسائي وكاظم الرشتي وحديثاً مع السيّد محسن الأمين، وأحدث مع السيّد فضل الله أدلة على ما يمكن أن يصل إليه الختلاف في الاجتهاد من احتراب، بل اني قرأت في كتاب فارسيّ عنوانه "في إيضاح حزب القاعدين" أن بعض علماء الشيعة في النجف كفروا الإمام الخمينيّ بسبب كتبه العرفانية وخصوصاً "دعاء السَحَر"، وبعضهم الآخر حرّم الصلاة وراءه.طبيعيّ أن يحدث هذا في كلّ حراك دينيّ، لكنّ الخطير في الأمر أن سلاح رجال الدين في نزاع كهذا؛ أمضى من الحديد والنار، سلاحهم كلمة يمكن أن تلقي برجل دين آخر وأتباعه في وادي المروق والفسق والكفر والضلال، لتكون فرقةٌ ما في مرمى نيران عامة الناس الذين تعتمل في وجدانهم الحميّة على عقائدهم من "التحريف".منذ أيام يدور اضطراب في مدن الجنوب العراقيّ سببه نزاع بين أتباع السيّد الحسني الصرخيّ وسائر الشيعة من مقلّدي مرجع الطائفة الأكبر السيّد السيستاني؛ أُحرقتْ فيه مساجد ومقرات ومكاتب للطرفين، وجرتْ محاولات اغتيالٍ لوكلاء، وسيّرتْ مظاهرات احتجاجية، قُمع بعضها، واستنفر أنصار كلّ من الطرفينِ للذبّ عن مرجعهم بما أوتي، وما زال الصراع على أشده.هل الخلاف عقائدي؟ هل بدر من طرف منهما ما يشي بتحويل هذا الخلاف إلى عنف؟ في نزاعٍ ذي طبيعةٍ دينية تكثر التقوّلات والتهويل والمبالغات بما لا يدع فرصة للباحث عن أصل المشكل، لكني متيقن ـ من قراءتي لكثير من منشوراته ـ أن الصرخيّ كان يعدّ السيستاني أحد أستاذيه الكبيرين، أستاذه الآخر هو الشهيد محمد صادق الصدر، نصّ على ذلك صراحة في كثير من رسائله، فما الذي تغيّر الآن؟أشيع عن جماعة الصرخيّ أمور لا يمكن التثبت من صحة صدورها منهم، كزعمهم النيابة الخاصة للإمام، أو التقائهم به، وحيكتْ في ذلك قصص لا يمكن تصديقها لأن حائكها أرادها أن تكون ذات مسحة كوميدية أحياناً. لكنّ الجماعة لم تكن سريّة يوماً ما، كان نشاطها علنياً وللسيّد الصرخيّ موقع على الانترنت فيه أفكاره ونشاطاته، غير انه يندرج ضمن ما يمكن تسميته بـ"المهدويين" أي الجماعات التي تتخذ من غيبة الإمام وظهوره أساساً لها، وهو موضوع شائك فيها كثير من السرّانية والإلغاز اللذين قد يوحيان بمفارقة صاحبها المذهب الرسميّ المعترف به، جرى قمع كبير للـ"حجتيين" في إيران لهذا السبب، وبمقدار أقلّ قُمع "السلوكيين" في العراق منذ تسعينيات القرن الماضي.أغلب الظن إنّ ما يحدث حربٌ لحيازة ربح يتمثل لا في الأعلمية وما تجرّها من رأسمال ماديّ فحسب، بل في حيازة رأسمال رمزيّ يؤهل صاحبه النطق باسم المعصوم الغائب. وهو أمر سُفك ويسفك دونه دم كثير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram