سرمد الطائي بقدر حماس الوزير هادي العامري الحليف لرئيس الحكومة، في المسارعة لإنشاء ميناء الفاو العملاق والتمسك بنحو 150 مليون دولار للبدء بأعمال البناء، فإن محافظ البصرة وهو حليف أكيد آخر لرئيس الحكومة، يعبر عن خيبة امل واحباط شديدين حيال امكانية ان يقوم العراق بهذه المهمة.
والامر ببساطة يتعلق بالمال، فمخطط الميناء يتطلب 6 مليارات دولار كما تقول الحكومة، بينما لم يوفر وزير النقل سوى 150 مليونا، وهذه ايضا تدور شكوك حول امكانية تخصيصها وسط انباء عن مناقلتها الى باب آخر في الموازنة لا علاقة له ببحر ولا بنهر. وهكذا يتبخر حماس الوزير ويغدو امرا لا قيمة له بالنسبة للمحافظ خلف عبد الصمد الذي يدرك كيف تدار الامور في الكواليس سيئة الصيت، ويمتلك كل المبررات ليتشاءم رغم كل تأكيدات العامري الذي تمتلك منظمته اكبر مقر سياسي في بلدة الفاو قرب ميناء الصيادين القديم "النقعة."لكن المفارقات التي تبتلي بها جماعة حكومتنا لا تنتهي. فأمامنا اولا سؤال لم يجب عليه احد منذ شهور. فلنفترض اننا شيدنا ميناء الفاو وان العامري نجح في تدبير 6 مليارات دولار رغم تشاؤم المحافظ، فهل يمكن لهذا الميناء ان يعمل بشكل صحيح، ام ان ميناء مبارك الكويتي سيشله شلا؟ ذلك اننا لم نحصل بعد على "جواب نهائي" من اللجنة الحكومية التي تكفلت دراسة الموضوع قبل شهور، وقد كان لي حديث طويل مع رئيس اللجنة الدكتور ثامر الغضبان الذي أكد ان لا احد يمتلك إجابة حول تأثير او عدم تأثير الميناء الكويتي على ميناء الفاو، الا بعد ان تجري محاكاة معقدة عبر الحاسوب لطريقة عمل الميناءين افتراضيا، وهو أمر لا نعلم هل حصل ام لا، لكننا نعلم انه ظل بلا اجابة بل حتى تفاصيل عمل اللجنة ظلت طي الكتمان ولم يفصح عنها احد.والمفارقة الأخرى هي اننا حشرنا انفسنا حشرا في ممر مائي ضيق بين العراق والكويت، سيتأثر كثيرا على الارجح بالميناء الكويتي، بينما تركنا عرضا سخيا قدمته عائلة حنا الشيخ العراقية، وهي اقدم اسرة تدير الملاحة في المنطقة ومتخصصة في إنشاء الموانئ عبر الشاطئ الآسيوي والعربي، وكان عرضها كفيلا بتحريرنا من الممر الضيق عبر استنساخ تجربة عالمية رائدة تتمثل بطمر مساحات كبيرة من الماء وإنشاء ساحل صخري يمتد الى عمق الخليج ويتجاوز اي تأثير قد تفرضه علينا جارتنا الكويت او غريمتنا ايران.. لكن عرض حنا الشيخ ظل مرفوضا وبلا تعليق، بينما تمسك الوزير العامري بتصاميم الشركة الايطالية التي تحشرنا حشرا في ممر خور عبد الله وام قصر حيث نتزاحم مع جزيرة بوبيان على 3 كم صالحة للملاحة، بطريقة لا يعلم مآلها حتى ثامر الغضبان.اما النقطة السوداء في جبين الحكومة فهي ان أهل الساحل العراقي الذين خسروا كل شيء، سيظلون يخسرون اعواما طويلة دون انتظار فرج لا من المحافظ ولا من الوزير ولا من الحكومة التي تهملهم حد اللعنة. فعلى شاطئ شط العرب من ابي الخصيب نحو راس البيشة ومطلع البحر جنوبا ، تقيم آلاف العوائل فوق احتياطيات نفطية وغازية هائلة، وفي مدخل استراتيجي يهم العالم كله، لكنهم لا يجدون المياه العذبة ويغسلون وجوه اطفالهم صباح كل يوم بماء مالح مج، صعد نحوهم من البحر بعد ان قطعت ايران روافد دجلة بأكملها. وهؤلاء المصنفون كأغنى اهل العراق بالثروات الطبيعية ووقوعهم على مفترق طرق ملاحية دولي حساس، لم يحصلوا طيلة الاعوام الاربعة الماضية على بضعة ملايين يمكنها تزويدهم بمحطات تصفية كالتي تتاح لجيرانهم الإيرانيين والكويتيين.هؤلاء سيظلون بلا ماء عذب سواء وجد هادي العامري المال الكافي لبناء "الميناء المحشور" امام بوبيان، ام لم يجد، وسواء تفاءل السيد خلف ام تشاءم.. وسيخبروننا بعد سنوات ان ألغاز الفاو هي مجرد "أحجية" مالحة لا يستطيع احد ابتلاعها.
عالم آخر :لغز الفاو.. مالح يا سيادة الوزير
نشر في: 21 فبراير, 2012: 10:49 م