TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية :الحقيقة وطريقة "استريــح أعــــور"!

أحاديث شفوية :الحقيقة وطريقة "استريــح أعــــور"!

نشر في: 21 فبراير, 2012: 11:11 م

 احمد المهنا لصحافة المعلومات مهمة تترتب عليها نتيجة. المهمة هي تقديم خدمة الحقيقة إلى المتلقي. ونتيجتها هي احترام عقل المتلقي.  أما صحافة الرأي، أي صحافة الحزب أو الحكومة، فمهمتها ترويج عقيدة أو فكرة. وهدفها إقناع المتلقي. الأولى تشتغل عند القارئ، والثانية تشتغل بالقارئ. هذه تتسيد وتلك تخدم. هذه لتعرف. وتلك لتؤمن. صحافة المعلومات تعرض الحياة، ولك ان تتفكر وتتدبر معها أمورك بنفسك. وصحافة الرأي تقدم الفكرة أو العقيدة لتكون وسادتك الخالية من هم التفكير والتدبير.
ويمكن القول ان صحافة المعلومات شقت طريقها وأصبحت لها الغلبة اليوم في العالم العربي، ولكنها بقيت في حدود لا تستطيع تجاوزها، رغم كل ما يقال عن توسيع وسائل الاتصال الحديثة لسلطانها. ان صحافة المعلومات هي الاسم الآخر للإعلام الحر الذي مازال بيننا وبينه خرط القتاد.في تحقيق عن احد الرؤساء العرب الراحلين، لاحظت، في مرحلة ما من حياته، أن تغيرا شديدا طرأ على تصريحاته وأعماله بين يوم وليلة. لماذا؟ درت بالسؤال على المطلعين فعلا والمقربين حقا فلم أحظ بتفسير يقنع او معلومة تشفي. ولم أيأس، إلى أن تمكنت من الوصول إلى الحقيقة، ولكن من دون أن أستطيع إعلانها. وكانت الحقيقة خلطة متوحشة، مركبة من جنس وسياسة. وقد كلفت نفسي مثل هذا العناء مرات، وبلغت أيضا مرادي، مع حبس الحقائق أيضاً في فؤادي.إن الثالوث المعروف مازال محرما بدرجة او أخرى في عالمنا العربي والإسلامي. ولكن هذا لا يعفي أبدا الصحفي، المؤمن إن شغلته هي تقديم خدمة الحقيقة، من واجب العمل بقول رجل عظيم: "حقا أنني كثيرا ما أفكر في أشياء وأوقن بصحتها، ولكنني لا أجد الشجاعة للتصريح بها، ومع هذا يستحيل علي أن أقول شيئا لا أعتقد بصحته".هذه هي الحكمة الأهم في مجالات البحث عن الحقيقة. وتوازيها في الأهمية طريقة قولها، حيث ينبغي ان تأتي بصيغة كلام إنسان لإنسان، صيغة حوار متكافئ. فلا يضرن الحقيقة، أو يشين الصدقية، شيء أكثر من عرضها بلهجات التعالي، أو الكراهية، أو القسوة، أو العنف، أو التحامل. الحقيقة تنفر من هذه اللهجات الفتاكة، لأنها هي نفسها تكون أحيانا فتاكة وضارية وقوية، وتحتاج لذلك عندما تتكشف إلى أقنعة ومؤانسة وملاطفة.ولعل علي الوردي أستاذ بارع في هذه المدرسة: حقائق صادمة بعروض آسرة.ولكن الشباب، كفئة عمرية، أو كفئة عقلية - فالبعض يكبر ولا يكبر - يميل إلى عرض الحقيقة عارية وخشنة، بل وحتى من دون ان تكون لها فائدة، على طريقة "استريح أعور". إن المار أمامك، وأنت في المقهى، هو أعور حقيقة. لكن ما المعنى، وما الفائدة، في ثلبه وأنت توجه له دعوة استضافة؟ ترى.. أليس هذا هو ما نفعله عادة بدعوة الحاكم للالتزام بالحق وشتمه في آن؟ إن الصحافة للناس، والناس تريد أن تتسلى ربما أكثر مما تريد أن تعرف. والإعلام الحر هو ابن السوق الحرة التي تضع الحق دائما مع الزبون. ولكن لا حق لزبون في صحافة غير حرة، مثل الحكومية أو الحزبية وما أشبه: ومن هذا النوع من الصحافة البائسة تأتي الروح الثقيلة، الشيطانية، عدوة الحقيقة والمتعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram