أحمد عبد الحسينما الحلّ الأمثل للقضاء على الفساد؟الحلّ يكمن ـ ببساطة متناهية ـ بالقضاء على مَنْ يكشف الفاسدين وتكميم أفواه من ينتقدهم، وترك الساسة الفاسدين يسرقون وينهبون ويتعاونون على السرقة واللصوصية إلى أن يشبعوا ويملّوا ويتوبوا إلى الله توبة نصوحاً فنتخلّص بذلك من السرّاق نهائياً.
يبدو أن هذه هي خطة الحكومة العراقية الآن للقضاء على الفساد، فهي ـ بالتعاون والتعاضد مع بعض النوّاب ـ تعتزم إلغاء مكاتب المفتشين العموميين بحجج واهية، وبإصرار غير مفهوم وغير مبرّر من لدن رئيس لجنة النزاهة في البرلمان.ليس الأمر جديداً، العام الماضي اجتمع رئيس الحكومة مع المفتشين العموميين، وسرّب أحد هؤلاء لبعض الإعلاميين ـ وكنت من ضمنهم ـ ما دار في الاجتماع وكان له وقع الكارثة على أسماعنا.قال السيّد المفتش إن المالكي أبلغهم أنه لا يرى ضرورة لعملهم، وأن أموالاً طائلة تخصص لهم دون طائل، وأن فساد المسؤولين العراقيين الذي يتحدث عنه العالم أجمع؛ مبالغ فيه، وأن المنظمات الدولية المتخصصة التي تضع اسم العراق دائماً في أعلى القائمة بوصفه أكثر الدول فساداً، إنما هي منظمات مغرّر بها من قبل بعض الساسة من أعداء الحكومة والعملية السياسية وأعداء سيادته شخصياً.وضرب لهم المالكي مثلاً، ولم يكن صدفة أنّ مثل المالكي كان إيرانياً:قال إن الحكومة الإيرانية اجتمعتْ يوماً برئاسة رفسنجاني "حين كان هو رئيس الجمهورية" لتدارس سبل الحدّ من الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وبعد نقاش مستفيض وحادّ واتهامات وتشكيك استمرّ لساعات، أعلن الرئيس رفسنجاني عن قراره بحلّ كلّ لجان التفتيش عن الفساد وملاحقة الفاسدين، وأمام دهشة الجميع برّر رفسنجاني قراره قائلاً إنه بعد هذا الاجتماع أيقن أننا لو قضينا على الفساد وأودعنا المفسدين السجن لسقطت الحكومة! منتهى الوضوح من لدن الشيخ رفسنجانيّ، يقابله وضوح لا يقلّ شأناً عنه من قبل رئيس وزرائنا الذي يحسن إيراد الشواهد والأمثلة.النتيجة الطبيعية لكلام كهذا مؤداها أننا لو قضينا على المفسدين لتوقفت العملية السياسية في العراق، ولتحقق حلم أعداء العملية السياسيّة من بعثيين وقاعدة وتكفيريين. لأن القضاء على الفساد يراد منه ـ في الحقيقة ـ القضاء على الحكومة الرشيدة. والمنظمات التي تراقب الفاسدين إنما تسهم في مؤامرة إخلاء العراق من سياسييه البارزين. والإعلام الذي ينتقد استشراء الفساد في أجهزة الدولة مشترِك في هذه المؤامرة لقلب نظام الحكم.والحل؟الحل هو ما قُرّرته الحكومة أمس بتعضيد من بعض النوّاب، والقاضي بحلّ مكاتب المفتشين العموميين الذين باتوا يشكّلون خطراً على الدولة أكثر من خطر المنظمات الإرهابية. وماذا يعني أنّ هذه المكاتب كشفت سرقات بالمليارات ومنعتْ سرقات أخرى، وماذا يعني أنّ بعض موظفيها قُتل بعد كشفه سرقات الحيتان الكبيرة؟المهمّ الآن أن تستمرّ العملية السياسيّة المظفّرة وهي لن تستمرّ إلا بالحلّ الذي اقترحه السيّد رئيس الوزراء بوحي من التجربة الإيرانية العظيمة.
قرطاس: نصيحة رفسنجاني
نشر في: 22 فبراير, 2012: 09:31 م