ترجمة: ابتسام عبد اللهعماتي وخالاتي واجدادي واجداد اجدادي، كانوا جزءا من موجة هجرة حدثت مع اندحار الامبراطورية العثمانية ثم سقوطها، قبل الحرب العالمية الاولى. وفي الارض الخلفية التي كانت انذاك جزءا من سوريا الكبرى، تركت الحرب علامات عن اعوام من الفوضى والعنف واراقة الدماء،
وكانت الامراض منتشرة وكذلك الجوع والقحط، وقد توفي آنذاك مئات الالوف جوعا من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، ولم تنج المنطقة التي كانت اسرتي تعيش فيها، ودراسة لـ182 قرية في تلك المنطقة، اظهرت ان ربع المنازل فيها قد هدمتها كوارث زمن الحرب، وان اكثر من ثلث سكانها لقوا حتفهم. ان تلك المرحلة ونتائجها اثارت القرويين- ومن بينهم اسرتي- ودفعتهم الى هجر منازلهم الى مناطق اخرى تبدأ من اميريكا الجنوبية الى غرب افريقيا الى استراليا، وايضا بعض المناطق القريبة وهي اوكلاهوما، يجيتا وكان.ان الطرق الجبلية والرحلات عبر السفن، التي سافر بواسطتها عماتي واجدادي واجداد اجدادي للوصول الى هنا كانت قاسية، ولكن كانت تلك الاميال الاولى بعيدا عن المنزل هي الاقسى، بعيدا عن وجوه لن تراها ثانية، وفي الوقت الذي وصلنا فيه الى نيويورك او تكساس او اوكلاهوما او أي مكان اخر، كان الكثؤر قد فقد".وتسأل اليزابيث هاردويك التي ساهمت في اعداد "مذكرت انتوني شديد"، "ماهو الاكتشاف الاول لك عندما تسافر، هل هو الاحساس بعدم الوجود"، وبمعنى اخر انك لم تترك الاخرين في الخلف، بل كل ما تعرفه، لقد ذهب كل ما فعلت عائلتك من قوة واسم العائلة والسمعة التي اكتسبتها عبر اعوام طويلة، كل ذلك يذهب هباء في المكان الجديد. وبالعربية، كلمة "بيت"، التي تترجم بـ هاوس، تعني ما خلف الجدران والغرف، انها تجمع ما بين الذكريات حيث يجتمع افراد العائلة، وفي الشرق الاوسط، البيت المقدس، فقد تسقط امبراطوريات، تتغير الحدود، الولاءات القديمة تذوب، ولكن البيت يبقى دائما، ارض العائلة وهويتها التي لا تبهت. يقول شديد، "وعلى الرغم من ان عائلتي غادرت "مرجعيون" منذ زمن طويل، فإن البيت الذي شيده جد جدي ما يزال قائما.في الحرب اللبنانية عام 2006، دخلت اسرائيل بلدة مرجعيون في آب كئيب، وتساءلت بيني وبين نفسي فيما ان كان البيت ما يزال قائما، ذهبت الى مرجعيون وعندما وصلت الى البيت الذي هجر طويلا، اكتشفت ان صاروخا إسرائيليا قد دمر الطابق الثاني منه، اقسمت لنفسي اني سأستعيد بيتي، واذكر عائلتي ان يتذكروا الماضي، ان يتذكروا مرجعيون، ان يتذكروا من هم. وقد استغرق مني تحقيق ذلك القسم اعواما تزوجت ثانية، رزقت بولد ثان (مالك) وفي خلال هذه الفترة، اعيد بناء البيت في عام 2009. واصلت ارسال التقارير من الشرق الاوسط وفي عام 2011، فرحت كثير لاحداث الربيع العربي، الذي زحف الى القاهرة في شباط وحقق الانتصار. وبعد شهر من ذلك وجدت نفسي في مدينة ليبية، لا اتذكر ما اسمها، وقد قبض علي جنود من الحكومة لتي أوشكت على الانهيار، وقادوني الى نقطة تفتيش، وجرب الجنود اسلحتهم علينا، ضربونا وسلبوا مني كل ما في جيوبنا وارغمونا على الانبطاح ارضا ووجوهنا نحو الاسفل. وصاح جندي بهدوء بالعربية، "اطلقوا عليهم" وعندما كنت متمددا بلا حراك على الارض، احسست بشيء مألوف تذكرته من ايامي في رام الله، قبل اعوام، عندما تمددت تحت السماء الرمادية، منتظرا موتي بعد اصابتي برصاصة في ظهري، اتذكر من قانا، في عام 2006، عندما صاح الناس، "على مهلك، على مهلك"، عندما بدأ الجنود اللبنانيون وافراد الصليب الاحمر والمتطوعون بحفر الارض بالرفش والايدي بحثا عن المفقودين، كما انني أحسست في بغداد عام 2003، عندما سحب جذع والدة لافا جمال المهروس من الدمار بعد قصف الطائرات الاميركية، تقيأت في تلك اللحظة عندما رأيت ابنتها مقطوعة الرأس، تذكرت ايضا مرجعيون، عندما وصلت الى بيت عائلتي فوق تل، حيث العظمة تحولت الى إذلال. وفي طرابلس، بعد ان قام الدبلوماسيين الاتراك بالتفاوض من اجل اطلاق سراحنا ونقلنا بالسيارة من ليبيا، وجلسنا في مكتب وثير لأجد موظف الخارجية، الذي اخذ يتحدث معنا وقد نسيت كل ما قاله، ما عدا ما ردده بالانكليزية، كان بيتين من الشعر لـ ويليم بتلر ييتس: "اولئك الذين أقاتلهم لا اكرهم/ اولئك الذين احرسهم، لا احبهم". كرهت ذلك الشخص، اردت الذهاب الى المنزل، وبطبيعة الحال ذهبت الى مرجعيون مع زوجتي الحديدة وطفلي الرضيع، ولم تكن هناك اسئلة امامنا والى اين نذهب بعد اطلاق سراحي في ليبيا. وعندما عدت الى مرجعيون: فكرت بالشيء الذي فقدته وما قد يعود بشكل ما، فكرت بالجوالين في الصحارى، فكرت في مناهج الايمان المختلفة، والعقيدة، ان يساعد المرء الاخر، فكرت بوعد الربيع العربي، وما جرى وما كنا نتخيل حصوله. في مرجعيون او بالتحديد في (اسبر) حيث يقع منزل الاجداد، سرت بجانب البيت، مارا بشجرتي زيتون، تعثران الاقدام، وما تزالان واقفتين منذ ان قالت جدتي، "مع السلامة"، ورأيت عبر مخيلتي ابنتي التي ستصل قريبا، تكبر فجأة، قرب هذه الاشجار والكلمات التي سأعلمها في يوم من الايام، كلمات تعود بها الى (أسبر) وعالمه، ح
بيـت من حجـر .. صفحات من مذكرات أنتوني شديد
نشر في: 22 فبراير, 2012: 09:37 م