أحمد عبد الحسيناليوم ذكرى حدث مجيد سيظلّ في ذاكرة العراق طويلاً، ذكرى تظاهرات 25 شباط التي أرعبتْ من أرعبتْ وجعلتْ لنا ـ نحن المساكين ـ جبيناً نرفعه، لقد عدتُ تواً من ساحة التحرير فوجدت أن التظاهرة التي أقامها الشبّان بمناسبة الذكرى الأولى للحدث الكبير قد انتهتْ، وأن الحكومة الموقرة دستْ غلمانها كالعادة لإفساد التظاهرة. لا جديد لديّ لأقوله، ولذا اسمحوا لي أن أستعيد شيئاً كتبته العام الماضي في مثل هذه الأيام، ولم أنشره في صحيفة لأني كنت أعمل حينها في صحيفة ترتعد فرائصها خوفاً من كل نقد للحكومة.
سأقتطف من "يوميات متظاهر":كان يمكن لكلّ ما حدث من مصادمات بين المتظاهرين والجيش أن لا يحدث لولا الاستفزازات المتكررة من قبل الجيش للناس، أول هذه الاستفزازات تمثل بنائب وحاشيته مطلّين من المطعم التركي المهجور.سألتُ مَن حولي: هذا المطلّ من فوق في المطعم التركي لم لم يكلف نفسه عناء رؤية المطعم الذي يقف عليه؟ ألم يسأل من حوله لماذا تحولتْ هذه البناية الجميلة إلى أنقاض؟ لمَ لا يعرف هؤلاء أن يبنوا؟ لمَ ليس في عقولهم ثقافة البناء؟ لم لا يحسن السياسيّ العراقيّ سوى الهدم والقتل وجعل العالم أنقاضاً؟ لم لا يتقن سوى تكديس الأموال وملء كرشه وتلبية حاجاته حلالاً وحراماً، منقطعاً ودائماً وبين بين!؟استفزّ هؤلاء المسؤولون الناسَ أيما استفزاز، ولذا راح المتظاهرون يلوحون لهم بالنعال والأحذية، تلويحة حبّ وصلتْ تماماً لأن النائب المذكور أخفى رأسه بعد أن كثرت الهتافات والأحذية.الاستفزاز الآخر تمثل في دخول قائد عسكري كبير مع حاشيته بين صفوف المتظاهرين، وأخذ هؤلاء يدفعون الناس بالمناكب وأخامص السلاح بقوة، حتى أن بعض الصبية سقط على الأرض وهو يشتم لواء ما، فعرفت انه لواء فأنا ضعيف جداً في معرفة رتب الجيش ويتساوى عندي العريف علي كيمياوي بقائد القوات المسلحة.كلما هدأ المتظاهرون وجدتْ الأجهزة الأمنية ـ بتدبير مقصود طبعاً ـ طريقة لاستفزازهم، حتى أتتْ القارعة متمثلة بتحليق الطائرة على علوّ منخفض جداً مما أثار الغبار كثيفاً في الساحة وما حولها. قلت في نفسي لم لا تعمد الحكومة إلى الاستفادة من طائرات الجيش لنفض الغبار عن عاصمتنا بغداد؟هذه حرب الفاسدين ضدّ الفقراء الأنقياء، حرب أباطرة الأموال السحت ضدّ بيض الضمائر، حرب من يكره العراق ويحب مال العراق فقط، ضدّ من يضع رأسه على المخدة متمنياً أن لا يثلم شرفه يوماً بسرقة أو اختلاس أو ظلم إنسان، حرب السفلة ضدّ الشرفاء، حرب من هو مستعد أن يضحي بشرفه الشخصيّ مقابل كرسيّ أو حساب مصرفيّ، ضدّ من لا يملك إلا الشرف، باختصار حرب الوحوش ضد الأوادم، حرب السياسيين المرتزقة ضدّ العراق.خضنا هذه الحرب التي لم نكن مستعدين لها أبداً، كنا نظنّ أن احتجاجنا ستحميه هذه الفيالق التي كان يدخرها سياسيونا المتسلطون لمحاربة الإرهاب، لكنهم أخرجوها علينا، نحن العزّل المسالمين ليذلونا بعد أن أخفقوا وفشلوا في إذلال الإرهابيين الذين يسرحون ويمرحون في العراق طولاً وعرضاً، لا بل أنهم مستعدون للتفاوض مع الإرهابيين والبعثيين، لكنّ وليّ الأمر لم يكن مستعداً لأن يفاوض الشبان من أبناء شعبه. شعبه؟ هل قلت شعبه؟ هل نحن شعبه حقاً؟ بدأت أشكّ في ذلك!rn
قرطاس: يوميات متظاهر
نشر في: 24 فبراير, 2012: 07:55 م