هاشم العقابي وهكذا يكون في هذا اليوم (25 شباط)، قد مر عام كامل على اعتقال هادي المهدي بعد تعذيبه مع مجموعة من الإعلاميين. وان كان اغلب الناس في دول الربيع العربي، أو كلهم، خاصة التوانسة والمصريين، يتذكرون يوم انطلاقة ربيعهم بشيء حلو، فإن طعم يوم ربيع العراق في نفسي، مثلما في صدري وفي فمي، مر، لأنه يذكرني بهادي.
حين التقيت هادي المهدي بالقاهرة بعد اشهر من سجنه، وكذلك الشاعر حسام السراي، الذي سجن وضرب جنبا الى جنب معه، كانت لا اسألهما عن التظاهرات، بل عن ادق تفاصيل اللحظات التي عاشاها تحت التعذيب والسجن في زمن الحكومة الديمقراطية المنتخبة. كلمني حسام عن هادي اكثر مما كلمني عن نفسه، وكان خائفا عليه اكثر مما هو خائف على نفسه. قال لي: "ربما ينسوننا بعد حين، لكني لا اظن انهم سيتركون هادي". ليش؟ لانه كان يسخر منهم اكثر. وهم بالمقابل كانوا معه اشد واقسى مما كانوا عليه معنا. بس؟ كلا، هناك اشياء لا ادري كيف اعبر عنها. ثم اكد مرة أخرى، بصوت منخفض هذه المرة: سيقتلونه. وليش؟ لا أدري. ثم ضحك حسام ضحك "امهموم" وقال: أتعرف ان هادي، رغم تعذيبه اكثر منا، كان يفكر بتخفيف آلامنا وخوفنا. لقد اضحكنا رغم الوجع، ورغما عنا ايضا، حين قال فجأة: يا شباب لا تنسون تسجلون هذي بالـ "سي في"! أما هادي المهدي، وربما لأنه مسرحي ومخرج، فقد كان دقيقا جدا في ذكر تفاصيل ما حدث له، حتى جعلني ارسم في مخيلتي زنزانة السجن واشكال الجلادين والوان وجوههم الصفر المشوبة بشيء من الخضرة. كان يتكلم من دون ان ترى في صوته نبرة انكسار واحدة. وكان يعرف جيدا بأن تلك هي مقدمة لمسرحية سيكون هو بطلها وستسدل الستار عليه وهو مقتول. لم يتوجع ولم تدمع عيناه وهو يسرد تفاصيل الواقعة، إلا عندما قال لي كلاما كان قد قاله لصحبه. كلام عن القسوة، يصعب البوح به. فكتمته، انا ومن أخبرهم، لحد هذه اللحظة، وكأننا نخاف عليه حتى بعد قتله. اللهم امنحني القدرة على لجم لساني، على الاقل في هذه الايام، لأنك اعرف بضعفي حين يفلت.آه يا هادي، كان يجب علي ان امنعك من العودة الى العراق، رغم اصرارك على الرجوع اليه. كان علي ان امسك بك، بيدي واسناني، فوالله كان قلبي يقول لي بأنهم قاتلوك. واليوم، وجدت حالي وانا اتذكرك كحال الشاعر كاظم الركابي يوم قال: "شرد اسوي .. غير الم ضيمي وروح اكتب قصيدة"؟ وما الذي بيدي وبيدي اصحابك، الشعراء والكتاب وعموم المثقفين العراقيين، غير أن نظل نكتب ونكتب حتى لا ننساك. يوم مات حضيري ابو عزيزي سألوا صاحبه ورفيق صباه ناصر حكيم: ماذا فعلت حين سمعت بموته؟ قال غنيت:حضيري اللي اخذ روحي وملها ابنار الهجر عذبها وملهامن انسى عشرة حضيري وملها اصيرن بد وفه وذاتي رديةحاشاكم ان تكونوا كذلك، لكن يا اصحاب هادي، لا تنسوه.
سلاما ياعراق : لا تنسوا هادي المهدي
نشر في: 24 فبراير, 2012: 10:20 م