TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلمات عارية :فاتورة من دموع ودماء

كلمات عارية :فاتورة من دموع ودماء

نشر في: 24 فبراير, 2012: 10:38 م

 شاكر الأنباري منذ عشرات السنين، وطوال محنة العراقيين مع نظام صدام التي توالت فصولا من حروب وتهجير واضطهاد، ومقابر جماعية، هاجر مئات آلاف العراقيين إلى سوريا، طلبا للأمان والاستقرار،  ليجدوا فيها استراحة عبور إلى المنافي البعيدة في أوربا، وأميركا،
ودول العالم الباقية، حيث لم تعد هناك بقعة لم يقم فيها أحد منهم. ورغم المداخلات السياسية في استقبال تلك الأعداد الهائلة من العراقيين من قبل سوريا الرسمية، إلا أن العامل الأهم في تلك الحكاية هي الشعب السوري ذاته. كان الشعب السوري، ومنذ الثمانينيات، يقيم علاقات محبة وتواصل مع المقيمين في مدنه، دمشق واللاذقية وحمص وحلب وغيرها من المدن والبلدات، التي استقر فيها الآلاف من العراقيين، وجدوا في ذلك الشعب الرعاية والاحترام، ولم يسجلوا أيّ فارق بينهم وبين هذا الشعب الذي قدم لهم كل مساعدة. عمل العراقيون ليعيشوا في محال ومطاعم ومزارع ومؤسسات، واستملك البعض بيوتا وشققا، ودخلوا في علاقات مصاهرة تعتبر هي الأوسع بين الشعوب العربية والأجنبية. وظلت دمشق واللاذقية وحلب هي الرئة الثقافية الأوسع بين البلدان العربية للمثقف العراقي. ورغم الأحداث الأخيرة الحاصلة في سوريا، وتعقيدات المواقف الرسمية، من قبل حكومتنا، وسياسيينا الذين اختلفوا أيضا حول قراءة الوضع السوري، كالعادة، ظل قسم كبير من العراقيين مقيما حتى الآن في الشام، نتيجة لأوضاع خاصة، او لعدم وجود رغبة لديهم في العودة. العودة الى حيث الأرض المانحة للعنف، والكآبة، واللاجدوى. مع كل ذلك لم تغادر سوريا، عائدة إلى البلد، سوى ثلة من العراقيين، دون أن يتعرض لهم احد من السوريين. وهذا يدلل على متانة العلاقة التاريخية. من يعش في الشام يحس بتلك العلاقة الروحية الخاصة التي تتصل بين هذين الشعبين، ولطالما عبرت هذه العلاقات بحورا من الاختلالات السياسية على مر السنين. الشعب السوري يتعرض الى محنة كبيرة، وثمة مدن تستباح، ومعارك يومية، ونزوح كبير الى دول الجوار كتركيا ولبنان والأردن طلبا للأمان، والابتعاد عن دخان المعارك. هؤلاء النازحون السوريون معظمهم أطفال ونساء وكبار السن، وقسم غير قليل منهم قد لا يكون لهم علاقة بما يجري، لكن الظروف العامة، لم تعد تسمح لهم بالبقاء في منازلهم، ومدنهم، وقراهم. يمموا وجوههم صوب بلاد الرافدين التي طالما حلموا بها وأحبوها. وتناقلت الأخبار وصول مجموعات منهم إلى الحدود العراقية، طلبا للملاذ، والابتعاد عن هدير الدم والمدافع والانفجارات. لكنهم صدوا عن الدخول، بل وعدوا متسللين طردوا دون رحمة. خلط الشأن الإنساني بالسياسي ليس بادرة طيبة، فليتذكر كثير من نخبنا السياسية التي تحكم اليوم، والنخب الثقافية والفنية والاجتماعية، الدعم الذي لاقوه من الشعب السوري، لا النظام، وكيف تعامل معهم بأريحية واحترام. فكان الواحد منهم لا يحس بالغربة في هذا البلد العزيز، الذي يدفع فاتورة دم مشابهة لما دفعناه كعراقيين في ظل ديكتاتورنا العتيد الذي شرد ملايين منا في ارض الله الواسعة. رغم كل التحليلات، والأفكار، والانحيازات، والأجندات المعلنة وغير المعلنة، لا يمكن للعراقيين الا التعاطف مع الشعب السوري، فالقضية التي ينغمر بها هي قضيته أولا وأخيرا، وليس من مصلحة أحد، ولا من حقه، الوقوف مع جلاديه، وتحت أي ذريعة كانت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وفاة المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل

الداخلية: طرد أكثر من 4 آلاف منتسب وإحالة 15 ألف قضية إلى المحاكم

ائتلاف المالكي يحذر من عودة المفخخات والتهديدات الارهابية الى العراق

طقس صحو والحرارة تنخفض بعموم العراق

الفصائل تهدد "عين الأسد" بسبب احتمالات بقاء الأمريكيين فترة أطول في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram