TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل :اورهان باموق وأحزان اسطنبول

قناديل :اورهان باموق وأحزان اسطنبول

نشر في: 25 فبراير, 2012: 07:26 م

 لطفية الدليمي يقدم اورهان باموق في كتابه الجميل (اسطنبول)  تفسيرات متعددة لحزن مدينته وملايين  مواطنيها فيقول: انه حزن يشكو مزاجا اسودَ يشترك فيه الجميع. يصف باموق حزن مدينته المزمن بأنه حزن ينعكس في نفوسنا ونستغرق فيه بزهو ونتشارك فيه  مع الآخرين، وكلمة (حزن)   التركية هي ذاتها كلمة (حزن) العربية  لذا يلاحق باموق جذور الحزن الإسلامي  ويبحث في عدد المرات التي وردت فيها الكلمة في القرآن الكريم ويضيف
  (النبي محمد  وصف السنة التي فقد فيها زوجته خديجة وعمه أبو طالب بأنها (سنة الحزن) أي السنة السوداوية ولهذا تعبر كلمة حزن في الوجدان الإسلامي عن الخسارة والألم الروحي والأسى المصاحبين  للخسائر، لكن قراءة باموق الشخصية لموضوعة الحزن  تشير إلى خطأ فلسفي صغير ظل يتطور على مر القرون  في التاريخ الإسلامي، ويرى ان للحزن معنيين مختلفين  فإذا كان الحزن مركزيا في ثقافة اسطنبول وشعر شعرائها  وحياتها  اليومية  على مدار قرنين  سابقين فإن الرؤية الصوفية أضفت عليه الإجلال  للتعبير عن أهميته الروحية  في موسيقى اسطنبول وأغانيها ومن هنا نفهم  لماذا تشجينا الموسيقى التركية والغناء التركي المحملين بأحزان قرنين من ضياع عظمة الدولة العثمانية وتناقص هيبتها ثم سقوطها  حتى غدا الحزن أسلوباً للنظر الى الحياة الاجتماعية والروحية  لأهل اسطنبول، وليس مزاجا يعبر عنه في الموسيقى والغناء، انه حسب رؤية باموق (حالة عقلية تؤكد الحياة في النهاية مثلما تنكرها). وكما يحمل  كل  إنسان حزنه الشخصي  بتفاوت درجاته فإن  للمدن أحزانها المختلفة   لكن اسطنبول باموق تحمل  حزنها باختيارها ولا تحتاج لمغادرته أو علاجه لأن سوداويتها تتجرأ وتزهو بأهميتها  في حياة اسطنبول بعد سقوط السلطنة العثمانية وحتى بعد تأسيس الجمهورية  ظل  الحزن  يعبر في الشعر التركي عن ذلك الشجن والأسى العميق المزمن الذي لا يريد  احد  الهرب منه أو نسيانه او علاجه، الحزن التركي يمنح الروح التركية  عمقها  واختلافها ومأساويتها وينقذها في النهاية  من  جو الحداد الشامل الذي تتذكره الأرواح التركية المتمسكة بتقاليدها العثمانية الزائلة.. العراق  له حزنه شديد الخصوصية فهو حزن معتق  تخمرت مادته  في جينات العراقيين منذ عصور رافدينية بعيدة، حزن يختلف عن  حزن اسطنبول ويتفوق عليه بكثافته  وتنوع مصادره  وتمظهراته، وحزن بغداد يتجسد بشكل قرين مرافق فلكل فرد توأم  لا مرئي  متشكل  من خلاصة الحزن  البشري العام  والحزن الشخصي  وأوجاع  البلاد المؤبدة.الحزن العراقي ليس فرديا ولا بَطِرا ولا سوداويا  بل هو حزن  منسوج  مع خلايا العراقيين  يتراءى مرة كتمثيل  لطقس جماعي ديني أو يظهر بشكل  ندب ونواح  في  مناسبات الفقدان  والموت  ويشكل  في تعدد مظاهره وسيلة سحرية خفية  للدفاع  عن النفس الجريحة المسحوقة الخاسرة إزاء الكوارث..حزن الجنوب العراقي المخمر يفوح  شجنا مجروحا من الأغاني والمواويل والدارميات والابوذيات  ويتقطر من  مفردات الحياة اليومية وحوارات النساء  وفي المدن نجده يحتل القصائد الشعبية التي تمثل بأجوائها المحلية لذعة أحزاننا وكثافتها مثلما تحفل رواياتنا وقصصنا بينابيع دفاقة من عناصر الأسى، فقلما نجد مشاهد مرحة أو إنسانية مترفة  أو ساخرة في معظم نصوصنا العراقية..يبرر باموق حزن اسطنبول بأن الحياة ذاتها مؤلمة وسكان اسطنبول يستسلمون لفقرهم وكآبتهم،حزنهم مفعم بالإجلال  المتحدر من الأدبيات  الصوفية وما استسلام  أهلها له إلا احتضان لفشلهم وهزائمهم وما أشبههم في هذا بالعراقيين، فالحزن لديهم ليس نتيجة لمشاكل الحياة والخسائر ولكنه سببها الرئيس ومنبعها الدائم...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وفاة المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل

الداخلية: طرد أكثر من 4 آلاف منتسب وإحالة 15 ألف قضية إلى المحاكم

ائتلاف المالكي يحذر من عودة المفخخات والتهديدات الارهابية الى العراق

طقس صحو والحرارة تنخفض بعموم العراق

الفصائل تهدد "عين الأسد" بسبب احتمالات بقاء الأمريكيين فترة أطول في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram