TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: فوارق بين فرهودين

أحاديث شفوية: فوارق بين فرهودين

نشر في: 25 فبراير, 2012: 10:41 م

 احمد المهناالشعوب تضعف أخلاقيا، مثلما تضعف في كل مجال من المجالات، من الإقتصاد الى الصحة. وقرار البرلمان العراقي شراء سيارات مصفحة للنواب، بقيمة 50 مليون دولار، علامة فارقة على مرحلة الضعف الأخلاقي التي نعيش فيها.
وقد يعترض على هذا الرأي معترض، قائلا ان هذا القرار المأساوي يتعلق بالساسة، بالنواب، لا بالشعب أو بالناس. والحق ان هذا رأي يقال غالبا، وكلام نسمع به دائما، مع اننا لو دققنا فيه قليلا، أو تأملنا فيه كثيرا ، لما بدا ان له أساسا، ولا ظهرت له صحة.ذلك ان حكومة العراق وبرلمانه اليوم، هما الأكثر تمثيلا للشعب على مدى تاريخه الموغل في القدم. فالنخبة الحاكمة جاءت بانتخابات شهدت لها الركبان بالنزاهة، على قدر ما تسمح به ظروف العالم النامي من نزاهة. كما أن أهم، إن لم نقل جميع، طوائف وإثنيات وشرائح البلد ممثلة في الحكم. والحكومة القادمة عبر صناديق الإقتراع، غالبا ما تكون مرآة للمجتمع الذي انتخبها، وصورة مقربة منه. مثل هذه الحكومة تمثل مستويات الثقافة والأخلاق والآداب السائدة في مجتمعها.هل يعني هذا الكلام ان العراقيين جميعا يمكن أن يتصرفوا على النحو الذي تصرف به النواب لو وضعوا في مكانهم؟الجواب هو ما تقدم به السادة النواب، ممثلينا في أعلى سلطة، وعلى رؤوس الأشهاد. فلم يأت أي من هؤلاء من بلدة غير بلدات العراق، ولا وفد الينا أحد بينهم من اقليم غير إقليم العراق. وبالتالي فإن كل واحد منهم يمثل شيئا أو أشياء في وفيك، فهم أنا، وهم أنت. فهم ونحن أبناء ثقافة اجتماعية واحدة، على يديها تعلمنا كيف نرى الحياة، وكيف نسلك وكيف نتصرف معها.وقد تقول ان بين النواب من اعترض على هذا القرار المشين. وهذا جيد. ودائما ما يقال عن حق " لو خليت قلبت". ولكن هذا الإعتراض لم يغير من الأمر شيئا، فالقرار صدر، وحظي بأغلبية الأصوات، ما يعني أنه أكثر تمثيلا للإتجاه السائد.وقد تقول أيضا ان الرأي العام العراقي أظهر احتجاجا على القرار. ولكن هذه هي حال الرأي العام في كل زمان ومكان، اذ هو دائما ما يلتزم كل فضيلة ، ولا يمكن أن تجده مساندا لأي رذيلة. هذه هي القاعدة مع أي رأي عام، وفي اسوأ أو في أفضل الأوقات. وحتى المجرم يسير على هذه القاعدة، فهو لا يشيد علنا بجريمة يرتكبها سرا، مراعاة للرأي العام. وبالطبع فإنك لا يمكن ان تجد مواطنا يقبل وضعه في العراء أمام الأخطار مقابل تصفيح النائب منها. هذا خارج كل منطق. فالمواطن صادق اذن كل الصدق في اعتراضه. والسؤال هو ما اذا كان سيظل على اعتراضه اذا نال مقعد النيابة، أم أنه سيلتحق بفصيل الفرهود.والفرهود فصل من فصول تاريخ العراق في ظل الدولة العثمانية، فقد كانت رواتب الإنكشارية تتأخر لشهرين أو ثلاثة، فيضربهم الإفلاس، وعندها يشنون حملات سلب ونهب على أموال وممتلكات الناس. أما نوابنا، حفظهم الله، فقد غاروا على المال العام بقصد التميز والتمييز لا بداعي الحاجة. وهذا فرق..مؤلم حقيقة، لأنه تمييز لا تقره شريعة، وخيانة للأمانة، علاوة على أنه غير مسبب بعازة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram