TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تحت المجهر: إشكالية المهنة.. وعدم البوح بها

تحت المجهر: إشكالية المهنة.. وعدم البوح بها

نشر في: 26 فبراير, 2012: 07:38 م

 د. معتز محي عبد الحميدسمعت نكتة تقول: إن حمالا في محطة السكك الحديد تقدم لخطبة فتاة، فسأله أهلها عن عمله، فقال: انا مساعد مسافر في وزارة المواصلات ...! ونكتة أخرى حول تاجر مخدرات قال لأهل خطيبته: انه خبير في التكييف !
 هذه النكات وغيرها تعبر عن خجل البعض من مهنتهم او وظائفهم وعدم مقدرتهم على البوح بها ، خوفا من تقاليد المجتمع من هذه المهن ونظرتهم الدنيوية لها، والحقيقة أن كل وظيفة تعتبر مهمة ما دامت شريفة ونافعة، بطبيعية الحال ثمة وظائف ومهن قد تتعارض مع قيم المجتمع الدينية والأخلاقية، مهنة (البغاء) – مثلا – تعتبر أقدم مهنة في التاريخ . ولكن ذلك لم يشفع لها لتتخلص من وصمة العار التي تلاصقها في المجتمعات كافة قديما وحديثا، البعض يتخذ من السرقة والرشوة مهنة، وقد تكون لها مقومات المهن من حرفية عالية وذكاء ومعرفة، بل حتى أخلاقيات ، بمعنى أخلاقيات تنظم العلاقة بين اللصوص ، من بينها العهد غير المكتوب الذي يمنع اللص من خيانة زملائه أو الوشاية بهم ، ولكن ذلك لا يجعل منها مهنة شريفة . وتذكرني هذه العهود بحكاية امرأة متزوجة من شرطي أكثر أصدقائه من الحرامية لا تشاهده إلا بعد منتصف كل ليلة يأتي مخمورا ... وعند الصباح تطربه بمقطع أغنية مشهورة (شرطي وملابسه خضر ... من شفته شفت كل الفوكر !) .. وفي لقاء راقصة عربية احتجت عن تسمية (رقاصة) وهو الاسم الدارج الذي يطلقه الناس على من تعمل بهذه المهنة في بلدها ، فاستفسر مقدم البرنامج عن التسمية التي تراها مناسبة فقال : راقصة ! جهل تلك الراقصة باللغة العربية جعلها لا تدرك أن الكلمتين صنوان إذا نطقت الأولى باللهجة الدارجة والثانية بالفصحى! ذلك على غرار أن يعترض ( الحزازين في ليبيا) و (الجزمجية) في مصر و(القندرجية) عندنا في العراق على تسمياتهم ويطالبون باستخدام كلمة (اسكافي) و (اسكافيون) بدلا منها ! فلو تغاضينا عن كونها أسماء مترادفة ، فهل تغير اسم المهنة من حقيقة صفتها ؟ وهل الشكل يغير المضمون ؟ احد مقدمي البرامج في فضائية يعترض على تسمية مذيع أو مقدم برامج ويطالب بأن ينعت بلقب محاور ، ربما كان يعتقد أن كلمة مذيع تقلل من مكانته ، أما محاور فهي كلمة (ضخمة) تضيف عليه مهابة وجلالا وأهمية . مقدمة برنامج من فضائية عربية تنبري للفتوى ... سألت ضيفها (الذي اخرج من السجن لتوه بتهمة رشوة وفساد إداري وتبييض أموال) متى أطلقت لحيتك ؟ فاخبرها انه فعل بمجرد أن عرف أن ترك اللحية واجب على المسلم، فلم تترك الأمر يمر بسلام ، بل التفتت إلى المشاهدين وحذرتهم من أن ذلك غير صحيح ولا يحب على المسلم  إطلاق لحيته! في فضائية أخرى دينية تعنى بالتفسير وتعليم تلاوة القرآن وشرح معانيه قرأ احدهم الآية الكريمة ( فأما الذي شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ) فتطوع احد الضيوف شارحا إن الشهيق هو صوت الحمار ! أما تلاوته فكانت اقرب إلى الغناء منها إلى الترتيل الصحيح ... ما أسهل اطلاق الاسماء الرنانة في بلدنا على من لا يستحقونها ! مع احترامي الشديد لكل المهن الشريفة وأصحابها ، ارى ان على كل صاحب مهنة ان يفتخر بمهنته ويعتبرها شرفه! لا ينبغي لنا ان نسمي كل من لبس عمامة شيخا ولا الموظف أستاذا، ولا المؤذن عالما ، ولا المشعوذ فقيها ولا الفلاح مهندسا زراعيا ولا الممرض دكتورا والفني خبيرا. لله در الشاعر الذي قال: مما يزهدني في ارض أندلسي   أسماء معتمد فيها ومعتقد ألقاب مملكة في غير موضعها     كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسدrn 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram