 الموصل / نوزت شمدينحاول صميم أن يخفف عن نفسه الصدمة بإقناع المبلّغ الذي سلمه قرار محكمة الاستئناف بإخلاء المنزل خلال سبعة أيام، إنه وبموجب القانون من حقه مهلة 90 يوماً لتنفيذ القرار، مردفا بأنه سيقوم أيضا بتمييز قرار المحكمة.
ثم واصل صميم المستأجر في مدينة الموصل شكواه فيما كان المبلغ يفتش في حقيبته المكتظة بالأوراق: "أخبروني أن بوسعي المكوث في المنزل، ومواصلة تسديد بدل الإيجار وإيداعه لدى الكاتب العدل، لم يخبرني أحد أن خصومي سيكسبون الدعوى من باب (الضرورة الملجئة)، ولا حتى المحامي الخاص بي أطلعني على هذا الأمر".rnوارتفع صوت المستأجر وسط لا مبالاة من المبلغ :"أسكن هذه الدار منذ ستة أعوام، وأعرف مستأجرين مضى على إشغالهم العقارات عشرة أعوام، ولم تنجح أي محكمة في إخراجهم منها".تعامل المبلغ مع احتجاج صميم بخفة تدرب عليها من خلال عمله الطويل في هذا المجال، وطلب منه برسمية عالية أن يوقع بالتسلم ثم قال بصوت هادئ: "قل هذا في المحكمة".صراع لا يهدأالعشرات من هذه المواقف تحدث كل يوم في الموصل، صراع لا يهدأ، بين مؤجر لا يدخر جهدا من أجل زيادة مبلغ الإيجار الشهري، ومستأجر يستنزف كل إمكاناته للإبقاء على المبلغ الأول، أو خفضه.ويتبادل الطرفان الأدوار تبعاً لنوع العقار المستأجر، فالعقارات السكنية، يكون موقف المستأجر فيها أقوى، ويضعف دوره في حال كان العقار تجارياً.ويوضح المحامي في محاكم استئناف نينوى أحمد فتحي ذلك بقوله: "إن العقارات المستأجرة لأغراض السكن، يصعب على صاحب الملك إخلاؤها من المستأجرين إلا في حدود ضيقة جدا، وأكثرها شيوعاً ما يعرف بـ(الضرورة الملجئة)". ويضيف في حديثه لـ"المدى"، إن هناك أمورا أخرى تدخل ضمن الضرورة الملجئة، ويشترط فيها أن تكون قد فرضت على صاحب العقار، ولم يعد له خيار غير استعادة عقاره من المستأجر، والأصل أن تكون الضرورة  قد طرأت بعد إبرام عقد الإيجار بين الطرفين.ويبين فتحي أن من تلك الضرورات "الزواج، والطلاق، ففي الأولى يحمي القانون حق مالك العقار في بيت شرعي مناسب، له أو لأولاده، شرط أن لا تكون له دار أخرى، وفي حالة الطلاق بالنسبة للزوجة، فيتعذر عليها البقاء مع طليقها، ولابد من استعادة منزلها المؤجر".ويستدرك المحامي فتحي: "في ما يخص المستأجر صميم، فإن الضرورة الملجئة هي التي حسمت الدعوى ضده في المحكمة، ولم يعد بوسعه سوى الرضوخ وتسليم المنزل لصاحبه".الضرورة الملجئةالقانون العراقي يفسح المجال أمام آخرين للإفادة من الضرورة الملجئة، هكذا قال المحامي عدنان عبد الله في حديثه لـ"المدى"، موضحا أنه "يجوز لصاحبة الملك أن تطلب إخلاء دارها التي لا تملك هي وأولادها القاصرين غيرها، حتى إذا كانت الدار الموروثة العائدة لزوجها المتوفى قد بيعت من قبل الورثة باعتبارها مشاعة بينهم، من دون أن تكون للأرملة يد في بيعها أو سلطة للاحتفاظ بها من دون بقية الشركاء، أو يكون الغرض من بيعها الإضرار بالمستأجر". وأوردت المحامية لقاء وعد الله سبباً آخر للضرورة الملجئة وهو تغير في عدد أفراد الأسرة، مبينة أنه "إذا زاد عدد أفراد الأسرة أو بلغ بعضهم سن الرشد وضاق بهم السكن، يحق لصاحب العقار مطالبة المستأجر بإخلاء المنزل".وتشير في حديثها لـ"المدى" إلى أنه يحق لصاحب العقار أيضا طلب الإخلاء، في حال أصيب بمرض ما، وأصبحت حاجته ماسة لاستعادة منزله المناسب لحالته الصحية الطارئة. وتضيف وعد الله، أنه في ما عدا ذلك، فإن عقد الإيجار يمتد بين الطرفين حتى لو كان شفوياً، وليس كافيا أن يتذرع صاحب العقار بامتناع المستأجر عن زيادة مبلغ الإيجار كسبب للإخلاء، مشيرة إلى أنه بإمكان المستأجر أن يسدد الإيجار عند الكاتب العدل، في حال توترت العلاقة بين الطرفين أو دخلت في نطاق خصومة.وجهة نظرويرى البعض أن هناك عدم تكافؤ بين المؤجر والمستأجر في عقود الإيجار السكنية، لأن المستأجر يتحول إلى شبه مالك للعقار، في حال لم يكن لدى المؤجر عذر قانوني يوجب الإخلاء، وهذا الأمر أدى بالنتيجة إلى زيادة مبالغ الإيجار ووصولها إلى أرقام كبيرة، لكون المؤجر يحاول الحصول على أكبر قدر من المنفعة مسبقاً. أمور أخرى رفعت مبالغ الإيجارات السكنية في أنحاء من مدينة الموصل، وبحسب صاحب مكتب العقارات عمار علي، فإن ذلك ينطبق على عدد من الأقضية والنواحي التابعة لمحافظة نينوى كالحمدانية (قرقوش).ويعتقد علي في حديثه لـ"المدى" أن سبب ارتفاع بدلات الإيجار هو الاستقرار الأمني في تلك المناطق، "كما في حيي الطيران والجوسق وسط الموصل، اللذين تفرض عليهما الأجهزة الأمنية رقابة مشددة بسبب قربهما من المطار، ويطلق عليهما الأهالي تسمية (المنطقة الخضراء)، أسوة بالمنطقة الخضراء في بغداد"، لافتا إلى أن الحيين المذكورين، يسكنهما كبار المسؤولين وقادة الأجهزة الأمنية.عقود تجاريةويتبادل طرفا عقد الإيجار أدوار القوة والضعف، في عقود الإيجار التجارية، وهنا يفرض المؤجر سطوته بموجب القانون، ويمكن له