سرمد الطائي تختلف مع هذا الرجل بشدة في السياسة غير انك وسط كل هذا العماء وانعدام الرؤية في العراق، ينبغي ان تعتبر وجوده داخل البرلمان بمثابة "ضربة حظ" لمن اراد اكتشاف بعض ما يجري من هوايل في بيت السلطان العراقي. فقليلون هم من يعلم بتلك الهوايل واقل منهم من يجرؤ على قول الاشياء، واقل بكثير من يبوح بتلك الامور بطريقة رصينة ومؤثرة.. وخلاصة هذا القليل احمد الجلبي.
وقد كتبت عن لابتوبه قبل نحو سنة حينما اتاح لنا ان نطلع على مجموعة وثائق تكشف استهتار السلطة التنفيذية بالقانون اثناء انفاقها مليارات الدولارات بشكل غير قانوني وبعيدا عن اذن البرلمان. اما في ندوة صحيفة المدى التي حضرناها صباح الاحد، فإن الجلبي كشف لنا عن تفاصيل تفسر ببساطة لماذا تحول العراق الى عملاق مالي مصاب بالدوار لا يعرف كيف يحل مشاكله بكل المليارات المبعثرة التي ينفقها على نفسه.الجلبي يتحدث بسرور عن نجاح نادر للبرلمان في احباط محاولة للحكومة ارادت بها ان تتخلص مرة واحدة والى الابد من عبء نحو 50 مليار دولار جرى انفاقها بشكل غير قانوني خارج الموازنات وبدون اذن البرلمان، وايضا بطريقة مليئة بالاخطاء الكبرى.لقد انكشف ان الحكومة تنفق خارج قانون الموازنة مليارات كثيرة كل سنة، ولم يكن ممكنا كشف ذلك لولا جهود البنك الدولي ولجنة تقصي الحقائق التي يرأسها الجلبي في البرلمان، ولذلك اعترفت حكومة نوري المالكي لاول مرة بهذا ثم ارادت حله عبر وضع المادة 25 في قانون الموازنة والتي تنص "بكل براءة" على اطفاء كل تلك المبالغ، واعتبارها سلفا "قانونية" جرى انفاقها "للصالح العام" برغم انها انفقت من دون علم السلطة التشريعية، وبرغم ان طريقة انفاقها زخرت بالاخطاء والهدر والارتجال والبحث عن اهداف دعائية وسياسية سريعة.وحسب ما افاد الجلبي فإن البرلمان وديوان الرقابة المالية الذي يرأسه رجل يستحق التقدير هو عبد الباسط تركي، نجحا في حالة نادرة في وضع كرة داخل مرمى حكومة المالكي وإلغاء هذه "المادة البريئة"، واقترحوا بديلا سيعكر مزاج فريق رئيس الحكومة شهورا طويلة وهو التحقيق التفصيلي في كل مليار جرى انفاقه بشكل غير قانوني من المليارات الخمسين التي كان يمكن لو انفقت بشكل صحيح ان تبني لنا 50 محطة كهرباء تسد عجزنا في الطاقة لعشرين عاما اخرى... في وقت تبكي الحكومة لانها لا تجد المال الكافي لاصلاح الكهرباء.اما التفاصيل الاخرى فهي تفسر ببساطة مؤلمة كيف يجري العبث بمليارات النفط على طريقة طفل قاصر يمنح كمية كبيرة من المال لتدبير امور العائلة. وفي واحدة من "فضائح" الحسابات الختامية لعام 2009 وهي فقرة قرأها الجلبي على جمهور ندوة المدى، يقول ديوان الرقابة المالية الذي يروق لي ان اصفه دوما بأنه "احسن صحفي بالعراق"، ان وزارة التجارة قامت مرة بشراء 3 اضعاف ما يحتاجه العراق من زيت الطعام، بضعفي الاسعار العالمية، بينما لم يكن لديها مال يكفي لشراء السكر. اي انها اهدرت نحو ملياري دولار في شراء زيت لا تحتاجه البلاد بضعف السعر العالمي، بينما لم تشتر مادة السكر... وحين تواجه هذه الحقيقة بألف لماذا، تكتشف ان معظم ملفات الامن والاستخبارات والصحة والتربية والطاقة، تدار بهذه الطريقة من الهدر والفساد الذي يقوم على اساس محاباة هذه الشركة او ذلك السياسي او هذه الطائفة او تلك الدولة الجارة المؤمنة التي تأخذ ملياراتنا كأرباح غير مشروعة، وتعيد تصديرها الينا على شكل دعم للقتلة والمهووسين بالدم وعقائد الكراهية، ممن يعرضون انفسهم كجماعات تحارب الكفر والارهاب وتريد صالح الوطن والمواطن.كم من الاسرار اخفيت فيك ايها الوطن.. وكم من الكذب يجري انتاجه يوميا كتعويذة شريرة يكتبها ساحر أفاق.. اكتشف مرة ان من السهل خداع الجمهور! ولكن الى متى، أليس حبل الكذب قصير كما يقولون؟
عالم آخر :الجلبي وهدف آخر في مرمى المالكي
نشر في: 26 فبراير, 2012: 10:28 م