علي حسين يتهمني البعض بأنني أسعى لإشاعة حالة من الاكتئاب عند القراء، وإنني مصرّ على أن اجعل من كلماتي مدخلا للتأكيد على أن السياسيين والحكومة وثالثهما الفساد هي سبب غياب التفاؤل والبهجة من حياتنا، ولان الضحك نشاط إنساني كما علمنا العم "برجسون" وهو بالمناسبة لا علاقة له بالأجندات الخارجية ولم يسع لمنافسة سياسيينا على مناصبهم وغنائمهم. هذا الفيلسوف يخبرنا بان الضحك لا يحدث مفعوله إلا إذا سقط على صفحة نفس
هادئة تمام الهدوء، منبسطة كل الانبساط. أيمكن أن يكون هذا التفسير مبرراً لما نحن عليه؟ فلا النفوس هادئة، والانفعال سيد الموقف في كل مكان، في اروقة الساسة، في دوائر الحكومة.. في الشارع المليء بالضجيج والصخب، والاهم في الفضائيات التي ما انفكت عاليه نصيف تذكرنا فيها كل لحظة بأننا نعيش التراجيدية والتي من قوانينها أن يختفي الجميع من على المسرح ليحتل الخشبة شخص واحد يعيد إنتاج الأحداث، ولكن بشكل هزلي.وأتساءل هل علينا أن نستسلم؟أعتقد أننا يجب أن نضحك من اللامعقول الذي يحكم حياتنا التي تحفل بمضحكات عديدة، يقول عالم النفس جاك لاكان إن"اللذين لا يعرفون موهبة الضحك، يحتمون داخل قلعتهم الداخلية بحيث يبقون أسيادا مطلقين في إمبراطورية خاوية".إلى مثل هذه الإمبراطورية يسعى بعض الساسة ومن يدور في فلكهم من متجهمي الوجوه، الذين اطلق عليهم علي الوردي تسمية "وعاظ السلاطين" الساعين إلى الفصل بين الحاكم والناس، الطامحين إلى بناء سور حولهم تعلو جدرانه يوما بعد يوم، وعاظ السلاطين هم الذين يحرصون على تمجيد حسن البكاء، ممعنين في ظلمنا كل يوم. هل توجد مسرحية هزلية أكثر من هذه، نعم يا سيدي توجد وهي مسرحية نصبت خشبتها في قاعة البرلمان، فبعد أن صادق النواب على فقرة المصفحات الخاصة بهم في موازنة 2012 تذكروا أن هناك شعبا فقيرا يعيش على ارض اسمها العراق يجب أن تخصص له هذه الأموال مما دفع بنائبة أن تسكب الدموع وهي تعلن عن أسفها: "بان تمنح هذه الامتيازات إلى أعضاء مجلس النواب في الوقت الذي يحتاجها الكثير من أبناء الشعب المظلوم". لا أيتها النائبة الله المغني فنحن لسنا مظلومين وإنما مخدوعون. لا يمكن أن نطلب من السارق والنصاب أن يفهم معنى التبرع للفقراء، فقط يمكن أن نطلب منهم يتوقفوا عن السرقة وألا يخلطوا بين خزينة الدولة وخزينتهم الشخصية، أن يكتفوا بما أخذوه، وأن يدفعوا الضرائب، وألا يتدخلوا في صياغة قوانين تسمح لهم بمواصلة السرقة والاحتكار وتخريب الاقتصاد ونهب ثروات البلد.عفوا ايتها النائبة، نحن نعيش زمن مهربي المال العام، فكيف نطلب من صاحب الثروة الحرام أن يفعل خيراً.. وكيف نطلب من مسؤول استغل وظيفته لمنفعته الشخصية أن يوقف مالاً من أجل الآخرين؟! وحتى تكتمل فصول المسرحية الهزلية تعالوا نقلب بدفتر الفكاهة البرلمانية وهذه المرة علينا أن نأخذ بنصيحة "خالنا" الجاحظ حيث يوصينا بان المرء حين يتندر بنفسه فإنما لينفس عن غيظ مكتوم، فجميل أن نضحك وأجمل منه أن نضحك على أنفسنا وإلا متنا من الغيظ والقهر ونحن نقرأ ما جادت به قريحة رئيس مجلس النواب وهو يرد على سؤال طرحه عليه الصديق معد فياض ضمن حوار نشرته صحيفة الشرق الأوسط قبل أيام حيث يبرر النجيفي غلق الشوارع التي بها بيوت المسؤولين وأحاطتها بالجدران الكونكريتية قائلا: "في ما يتعلق بالجدران الكونكريتية فالوضع الأمني يحتم على المسؤول أن يضع هذا الجدار، لحمايته هو وعائلته"، طبعا لم يشأ أن يقول لنا السيد النجيفي من يحمي المظلومين الذين يقتلون كل يوم في مدن العراق. ولم ينس النجيفي بان يذكرنا بان الصورة ليست سوداوية بهذا الشكل ولا نستطيع أن نقول إنه لم يتحقق أي شيء، فهناك صحافة تكتب، هناك صوت يخرج من خلال مظاهرة أو من خلال البرلمان. أنا وأنت نسمع كل هذا ونراه، لكننا يا سيدي لا نضحك، فما الذي حدث؟.
العمود الثامن :نواب بأدوار كوميدية!
نشر في: 26 فبراير, 2012: 11:47 م