عبد الجبار خضير عباسالقطر، مفهوم من اختراعات التيار العروبي، بدأ استخدامه بكثافة، بعد أن تسنّم البعث السلطة في العراق، وكذلك الحال في سوريا ،أما مصر مركز الأمة العربية وقلبها النابض على وفق رؤى القوميين العرب، وعلى الرغم من أنها تعد موطن أول اتحاد بين دولتين عربيتين، جرى في العام 1958 سمي بـ ( الجمهورية العربية المتحدة)، فإن مفهوم القطر والقطر المصري غير متداول بشكل محسوس في المشهد السياسي، والإعلامي، والثقافي في مصر، لكنه صدر إلينا كأيقونة، وعلينا استخدامه بقدسية.
بعد هذه المقدمة من الضروري معرفة "القطر" بمعناه اللغوي، إذ ورد في معجم لسان العرب القطر : العود الذي يتبخر به وبالصحاح في اللغة ، القطرُ بالضم : الناحية والجانب، والجمع الأقطارُ. وفي مقاييس اللغة، فالقُطر: الناحية . والأقطار: الجوانب، ويقال: طعَنَه فقطره، أي ألقاه على أحد قطريه، وهما جانباه. وهناك من يفسره بالجزء المحدد، أما في الرياضيات.. فالقطر، هو الخط الذي يصل بين نقطتين من فوق سطح الدائرة ويمر بمركزها، أي بحسبة بسيطة، القطر يشكل حجما ضئيلا بالقياس للدائرة، لذا فهو جزء تابع للدائرة، ولا يشكل حضورا، وليس له وجود من دون دائرة تمنحه الظهور والبروز..وبعد نحت هذا المفهوم الذي كرس تحديدا على نطاق واسع في العراق منذ انقلاب شباط العام 1963 وحتى العام 2003، إذ نجد انه تحول إلى علامة سيميائية دلالتها تحيل إلى أن العراق ليس مركزا حضاريا أو دولة لها ما يميزها في التاريخ البشري بل اختزل إلى " قطر" وزنه النوعي لا يختلف عن جيبوتي أو جزر القمر، -نحن هنا نتحدث بالمقياس الحضاري والسياسي وليس بالمفاضلة العرقية-..وعلى مدار عقود، تغلغل هذا المفهوم في وجدان العراقيين عبر ترديده المستمر في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، فضلا عن تضمينه المناهج التعليمية..ليندرج هذا الأمر ضمن أسباب عديدة أخرى، أسهمت بفصل الذات العراقية عن عمقها التاريخي والحضاري، أي أن المفهوم كالثقب الأسود، ابتلع كامل الإرث السومري والأكدي والبابلي والآشوري ..إذ ما أن ينطق المفهوم حتى تأتي الإحالة إلى مصر المركز إبان ازدهار الموجة الناصرية من قبل المتأثرين بها، وبعد انحسارها، أخذ إيقاع المفردة، يتلاشى بزحمة الأقطار. وعلى الرغم من مرور تسعة أعوام على التغيير، مازال بعض العراقيين من أساتذة جامعات ومثقفين وفنانين وغيرهم .. يستخدم هذا المفهوم بتلقائية، عبر وسائل الإعلام بشكل يومي، على الرغم من انه مفهوم شوفيني ولا يعبر عن روح الانتماء للعراق، ويلغي دور المكونات العراقية فضلا عن زحزحة العراق من مركز الإشعاع الحضاري الأول في العالم، إذ يتحول إلى هامش لمتن افتراضي تضليلي..في حين إننا بحاجة إلى مصالحة مع الذات التي انفصلنا عنها أكثر من 1400 عام.السؤال لماذا الإصرار على استخدام هذا المفهوم بدلا من العراق أو الوطن أو البلاد.. في حين يكتفي المصري بقوله: مصر، ليعبر بزهو وانتماء لوطنه ؟ ولماذا السعودي يقول: السعودية فوق الجميع، والأردني، الأردن أولاً... من دون التشكيك بانتمائه العربي؟ ربما هناك من يرى الخوض بهذه الأمور، يأتي من باب الترف الفكري أو يعد ذلك أمراً ليس بمحله في الوقت الحاضر، والأجواء السياسية ملبدة بالأزمات المتفاقمة التي من شأنها الانزلاق بالبلاد نحو الهاوية، نتيجة لسلوك أحزاب وشخصيات لا ترى إلا مصالحها.. نقول: إن ما يفتقده بعض السياسيين هو روح الانتماء لهذا الوطن، فلو كان السياسي، والمثقف الذي يستخدم مفهوم " القطر " مطلعاً بشكل كاف على تأريخ وطنه لأحب بلاده، وأدرك أصالة مكوناتها، وارتباطها بتراب العراق .. حينها سينظر للآخرين كأرقام صعبة تشكل خريطة الوطن " العراق" وليسوا هم أعداء محتملين أو مشكوكا بأصالتهم.. أرجو أن لا يفهم من ذلك محاولة الابتعاد عن الحاضنة العربية، إذ أننا مؤمنون بأن الحرف العربي واللغة العربية، كانا قد خرجا من أرض العراق.
القطر العراقي!
نشر في: 28 فبراير, 2012: 07:56 م