TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: نقـــص تـــربـيــــة

قرطاس: نقـــص تـــربـيــــة

نشر في: 28 فبراير, 2012: 08:00 م

 أحمد عبد الحسينيحتاج العراق إلى عشرين سنة بالتمام والكمال لبناء مدارس تستوعب عدد طلابه، أي أننا نحتاج  إلى خمس حكومات قادمة من أجل بناء ستة آلاف مدرسة، وهو العدد الذي يتناسب مع عدد طلبة العراق الآن، فإذا ما عرفنا أن هذا العدد سيكبر بالتأكيد خلال عقدين كاملين،
 وإذا ما أدركنا أن الحكومات التي مرت على العراق "بل الطبقة السياسية بعامة منذ 2003" تنظر بازدراء إلى التعليم، وأن هذه الطبقة لديها أولويات كبرى كالانشغال بتسقيط الخصوم قانونياً إذا أمكن وإلا فبالسلاح، وهي أولويات لا تدخل التربية ولا التعليم فيها؛ إذا ما أدركنا ذلك كله عرفنا أن نهاية البلد عويصة، والآفاق مغلقة أمام العراق، لأن مستقبلنا الحقيقيّ المتمثل في شريحة الشباب الذين هم طلبةٌ الآن، وضعناه في يد أناسٍ أميين يجهلون حجم الهاوية التي دفعوا إليها العراق.الشباب الذين هم في المدارس "أو الذين يجب أن يكونوا في المدارس" ممن تتراوح أعمارهم بين 6 ـ 18 سنة، يشكلون نسبة 25 بالمئة من مجمل الشعب، ومع ذلك فإن ربع الشعب هذا لا يتلقون تعليماً جيداً، ويرتادون مدارس بدائية انقرضتْ مثيلاتها حتى في مجاهل إفريقيا، بعض المدارس مبنية بالطين، وتتوارد بين الحين والآخر أنباء سقوط أسقف المدارس على رؤوس أبنائنا، كما حدث لإحدى مدارس الحلة قبل مدة ليست بالطويلة.في بلد نفطيّ ذي ميزانية انفجارية،  يدرس أبناؤه في صفوف يحشرون فيها حشراً، غرفة الدرس المخصصة لاستيعاب ثلاثين طفلاً يتكوّم فيها سبعون أو أكثر، يرتجفون من البرد شتاء وينضحون عرقاً صيفاً، في دولة مغضوب عليها كهذه، يخصص للتعليم واحد بالمئة من "الميزانية الانفجارية"، أي مليار واحد فقط، ومن هذا المليار اليتيم خصص أقل من النصف لمشاريع البناء والترميم وتطوير المدارس، 455 مليار دينار فقط لمشروع إنقاذ أطفالنا من الجهل والأمية التي يحياها كثير من الساسة العراقيين الذين يحتقرون التعليم، ويريدون أن يكون مستقبل أبنائنا على شاكلتهم من الجهل والطائفية والعيش ـ كحال ساستنا اليوم ـ فاغري الأفواه أمام المال السحت .عشرون سنة قادمة من الخطط الحكومية العبقرية المتمثلة باحتقار الثقافة والتعليم، كافية لخلق أجيال تشبه تماماً هذه الملامح الطائفية التي نراها صباح مساء، كافية لاستنساخ كائنات شبيهة بكم أيها الجهلة.شخصياً لا أتوقع من مزوّري الشهادات أكثر من ذلك، كما لا أتوقع ممن يعفو عنهم شيئاً مغايراً، بل أتوقع أننا بعد عشرين سنة إذا أمدّ الله في أعمارنا نحن "لأن أعمار الساسة مباركة دائماً فما كان لله ينمو!" فستجدوننا نكتب هنا في المدى عن حاجة العراق لخمسين سنة من أجل استيعاب طلابه، وستجدنا بعد عقدين نطالب السيّد "المالكي" بتوفير مدارس مبنية بالطابوق بدلا من الطينية، ولكنه سيعتذر لنا لأن الوضع الأمنيّ والخصومات السياسية لا تترك له مجالاً ليحكّ رأسه، وسنتفهم الأمر بعد عشرين سنة كما نتفهمه الآن .. تماماً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram