هاشم العقابي ثلاثة أشياء وجدتها نافعة في رفع الكآبة عن صدري، ولو الى حين، فجربوها. الشيء الأول هو تصفح ديوان الجواهري لان فطنته تؤنسني وتنسيني همي. الفطنة مرتبطة بالذكاء، وانا بطبعي احب الأذكياء. والحب مهما كان نوعه، كما تعلمت من تخصصي بعلم النفس، يعين الجسم على إفراز هرمون مضاد لهرمونات الهم. والشيء الثاني هو قراءة قصائد لمظفر النواب لانها ترغمني ان أغنيها. والنفس لا تغني، كما تعلمون،
الا اذا طابت. وان طابت خف حزنها. أما الثالث فهو اني اهرع لبحوشة مكتبتي الشعبية التي قضيت سنين في جمعها، فصارت تضم بحوثا ودراسات جمعتها من صحف ومجلات عراقية قديمة إضافة لكتب وكاسيتات وأفلام فيديو. نعم ان فيها ما يبكي ويحزن، لكن فيها، ايضا، ما يفرح ويسر. ولأنها من جمع يدي اعرف ما الذي اختاره منها وقت "الشدّة". والبارحة كانت ليلة حزينة. بصراحة انا اشتريت حزنها بنفسي التي "سوّلت" لي البحث في الصفات الانسانية التي يشترط وجودها بمن يرشح نفسه لعضوية البرلمان، فلم اجد لائحة او مكانا يتحدث عنها. تساءلت: أيعقل اننا صوتنا لأناس يتحكمون بمصائرنا دون ان نضع شروطا تؤهلهم لذلك؟ وتعال وكابلني يا حزن.شتمت حظي العاثر، الذي دلني على تلك الفكرة التي زادتني حزنا وانا "بعدني بثوب حزني"، كما قال الشاعر. وهكذا دبت اقدامي لا شعوريا، وكالعادة، صوب مكتبتي التراثية فوقع بين يدي كتاب "الأدب الشعبي" للباحث العمارتلي الراحل خليل رشيد نشره في العام 1958.قرأت فيه ان اهلنا، في الريف، وقبل مئة سنة او اكثر، قد وضعوا شروطا لمن يختارونه "فريضة". وهو القاضي الذي يركن اليه في حسم النزاع، اي نزاع كان، واذا قال كان قوله الفصل، واذا حكم كان حكمه نافذا. وهم لا يمنحون هذه المكانة الا لمن كان: "عاقلا ذا تدبير، وكيسا بين أبناء قومه وبني عمومته، ومتصفا بالرزانة والإباء وكرم النفس، ومفكرا له قابلية عقلية وذكاء". ورغم انها شروط تبدو تعجيزية، الا ان العراق، في ايام الخير، قد انجب الكثير منهم وظلت اسماء بعضهم حتى هذا اليوم مبعث فخر واعتزاز. من بينهم: سلمان بن غيلان وكاظم السدخان وخلف الشواي ومحمد السبهان، رحمهم الله جميعا.يروي الكتاب ان رجلان تنازعا على قضية ما فقصدا فريضة من عشائر آل بدير. وعندما اسمعه كل منهما ما عنده، سألهما قبل ان يصدر حكمه عن عشيرتيهما. قال الأول انه فتلاوي واجاب الثاني انه بديري. فكر الفريضة قليلا ثم قال: اذهبا وفتشا عن فريضة غيري يحكم بينكما. ولماذا؟ قال: لأني حين سمعت ان احدكما من آل بدير مال قلبي اليه ورغبت في ان اعطيه الحق لانه من عشيرتي. ولا اريد ان اتبع هواي فيبقى حكمي المنحاز وصمة عار في حياتي وحياة ذريتي من بعدي. لقد ازاح هذا الفريضة شيئا من همي لكنه دفعني الى أن اصرخ وانا في مكان بعيد:أسمعتم يا ذوي المصفحات؟ فهل فيكم من يحمل ربع هذا الحس الانساني الذي يحمله هذا الفلاح الامي؟ والله أشك في ذلك. فلو كان نصف هذا الربع فيكم لما عدتم لنسائكم المسعدات فرحين بفوزكم بالمصفحات، ونساء ضحايا الخميس الفائت يلملمن اشلاء ازواجهن وآبائهن واخوانهن واطفالهن لا معين يعينهن ولا ناصر ينصرهن.
سلاما ياعراق :أين برلمان المصفحات من ذلك "الفريضة"؟
نشر في: 28 فبراير, 2012: 10:23 م
جميع التعليقات 1
وائل العراقي
السلام عليكم ارجو من حضرتك تصوير كتاب الادب الشعبي للراحل خليل رشيد على شكلpdf ورفعه على النت فقد بحثت عنه مطولا لكن لم اجده