ابتسام يوسف الطاهر منذ فوزه بمهرجان (كان) ولا حديث في الوسط السينمائي سوى عن الفيلم الصامت والأبيض والأسود (The Artist) الفنان. والضجة التي دارت حوله بعد فوزه بالعديد من الجوائز العالمية في كل حفلات توزيع الجوائز السينمائية ففي بريطانيا فاز بسبع جوائز (بافتا) التي تعادل الأوسكار، من أصل اثنتي عشرة كان مرشحا لها. وغيرها في اسبانيا وأمريكا
حيث مرشح لجوائز عديدة للأوسكار. منها جائزة أحسن ممثل وأجمل إخراج وتصوير وموسيقى وقصة وغيرها. كتب عنه النقاد الكثير، منهم بيتر برادشو كتب في الغارديان "الفيلم تفوق على الكثير من الأفلام الناطقة" وذكر كيف انه بقي واقفا منفعلا ومشجعا للفيلم من بداية العرض لنهايته "لا أستطيع الانتظار لمشاهدته مرة أخرى". فالفيلم يجمع بين كل عناصر التشويق، دراما ورومانسية وكوميديا. يمنحك الإحساس بالفرح والأمل والحزن معا، بالرغم من عدم استخدامه الحيل السينمائية ولا التقنيات الكومبيوترية التي يعتمدها غالبية المخرجين اليوم والمكلفة أو غيرها من المؤثرات السينمائية. بل اعتمد على التقنيات القديمة لينقلنا لمرحلة العشرينات عصر بداية السينما الصامتة، دون الإحساس بالملل أو الرتابة التي نشعر بها أحيانا لدى مشاهدة بعض الأفلام القديمة، لاسيما الصامتة.انه رائعة المخرج والكاتب الفرنسي البولوني الأصل Michel Hazanavicius (ميشيل هازنفيشيو). الذي كان معجبا جدا بالسينما الصامتة وقدرتها على النجاح بدون حوار ولا حيل سينمائية او إثارة. وقرر أن يعمل فيلما يعيد الاعتبار لتلك المرحلة التي ازدهرت في العشرينات من القرن الماضي. لكن فكرته لم تؤخذ بمحمل الجد. مع ذلك، بعد نجاح فيلميه (Lost In Rio, Nest of Spies) ضياع في ريو وعش الجواسيس، وتحقيقه أرباحا عالية، تبلورت لديه الفكرة. فقرر أن يكون بطلا الفيلم هما من تعاون معهما في فيلميه السابقين، زوجته الشابة الممثلة الفرنسية-الأرجنتينية الأصل (Berenice Bejo) والممثل الفرنسي المعروف (Jean Dujardin) جين دوجاردن ليلعب دور (الفنان) جورج فالنتاينGeorge Valentin بطل الأفلام الصامتة. واختار ان يكون فيلمه الصامت ميلودراما وهو ما عرفت فيه السينما الصامتة من قبل. فقد أجرى بحوثا عديدة عن هوليوود في العشرينات ودرس تقنيات الأفلام الصامتة وكيف يجعل القصة مفهومة للمشاهد دون اللجوء لكتابة الحوار (intertitles) بكثرة.يقول المخرج "إن الفيلم هو عبارة عن رسالة حب للسينما، وتعبير عن مدى الحب والتقدير لتاريخ السينما". ذلك ردا على انتقادات البعض باستخدامه المقطوعات الموسيقية للموسيقار برنارد هيرمان، التي اعتمدها هيتشكوك في أفلامه. ويضيف انه معجب بموسيقى هيرمان، وان الكثير من الأفلام تقتبس الموسيقى من بعضها بعد اخذ الإذن والموافقة ودفع المبالغ مقابل استخدامها.السينما الصامتة كانت صورة سينمائية متأثرة بعروض رقص الباليه بنقلها قصصا وأحداث من خلال رقص راق بحركات معبرة وموسيقى إبداعية، والذي هو امتداد للرقص الهندي الذي عرفته القرى الهندية قبل أكثر من ألف عام، حيث كانت إحدى وسائل التسلية لهم سماع القصص التي تحكيها الراقصة من خلال حركات يديها وعينيها وجسدها كله. والتي كانت كما يقال وسيلة لنقل رسائل سرية عن طريق حركات تعبيرية حتى لا يعرفها رجال السلطان!تدور احداث فيلم The Artist(الفنان) في العشرينات من القرن الماضي عن حياة ممثل الأفلام الصامتة المشهور جورج فالنتاين. يبدأ العرض بمشاهد من احد أفلامه معروض في قاعة السينما ونرى إعجاب وتفاعل الجمهور (الصامت) مع المشاهد الصامتة، ومعها نرى الممثل وهو يتابع فيلمه بفخر وابتسامة رضا لا تفارق وجهه، ثم يظهر للجمهور محييا ومقدما كلبه (Uggi) الذي يعد احد أبطال الفيلم، فقد أضاف لمسات طريفة وجميلة كوميدية خفيفة، وهو يتبع الفنان في حياته وأفلامه كما لو هو ظل له أو ضميره، إلى مشهد إنقاذه من حريق مهول، بعد أن يحرق الفنان كل أفلامه لتشتعل النار في غرفته الصغيرة التي انتقل لها بعد تخلي زوجته عنه وإخراجه من الفيلا الكبيرة التي كان يعيشها.. ذلك بعد أفول الأفلام الصامتة اثر اختراع التقنيات وإصرار صاحب الشركة على إنتاج أفلام ناطقة بعيدا عن التعاون مع الفنان. ويرافق ذلك صعود نجم الممثلة الشابة التي تألقت بفضله بعد نشر صورة أخذت لها معه صدفة، ثم إصراره على تقديمها ومشاركتها بالأفلام التي قدمها.تتصاعد أحداث الفيلم وتصل لقمة اليأس والألم حين يكتشف الفنان بواسطة الكلب الصغير، أن حتى اللوحات والأثاث التي عرضها للمزاد بعد إعلان إفلاسه وخسارة الفيلم الذي أنتجه ومثله، قد اشترتها تلك الممثلة دون إشعاره بذلك، رغبة منها في مساعدته، غير متناسية وقوفه معها بل وتقديمها لعالم السينما وانه السبب بنجاحها. حين يكتشف ذلك يشعر بأسى وجرح لكرامته، فيقرر الانتحار بمشهد مؤثر وأكثر من ناطق بصمته، ورفيقه الكلب يحاول أن يسحبه ويمنعه من إطلاق النار على نفسه.. حتى تأتي الممثلة الشابة راكضة صوبه لتعانقه وتقنعه بضرورة التحلي بالأمل والعمل بأطر فنية أخرى.ومن أجمل المشاهد التي أبدعها المخرج، مشهد ناطق ومؤثر وهو يفاجئنا بنقل الفيلم من الصمت الى النطق، يسمع الفنان بخوف صوت قدح الماء حين يضعه على الطاو
الفنان.. الفيلم الصامت والأكثر نطقاً
نشر في: 29 فبراير, 2012: 07:45 م