TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس :زيّ الهـــــوا

قرطاس :زيّ الهـــــوا

نشر في: 29 فبراير, 2012: 07:55 م

 أحمد عبد الحسين ما أن تبدأ سلطة ما بالسيطرة على أجساد الناس حتى تغامر بجعل نفسها دولة بوليسية، فالتحكّم بالعقول وتسوية العقائد المخالِفة ومحاولات تغيير الرأي في الدول الديمقراطية، يتخذ سمةً غالباً ما تكون غير عنفية، وتكون وسيلة الدولة في ذلك إعلامها ومراكز بحوثها وماكنتها الدعائية، لكنّ الدول الديكتاتورية أو ذات الديمقراطية المشكوك بها، لا تكتفي بمحاولة الهيمنة على العقول والضمائر سلمياً، بل تسعى إلى تجريب وصفة بدائية للهيمنة على المجتمع من خلال التسلّط على أجساد أبنائه.
قبائل إفريقية تترك هويتها المميزة على وجوه أفرادها، أزياء الأديان المميزة تدخل في هذا الإطار، اللون الأسود في إيطاليا الفاشية، منع لبس الطربوش في تركيا أتاتورك، وفي إيران بداية التسعينات كانوا يقبضون على من يلبس قميصاً بنصف كمّ. طالبان أصدرتْ فرماناً يقضي بأن يلبس جميع الرجال عمامة سوداء، ومن يخالف ذلك يجلد.في ثمانينات القرن الماضي كانت دوريات تلاحق من يلبسون قمصاناً ملونة ودشاديش مزركشة، آنذاك فوجئتُ أنني أقف وجهاً لوجه في الشارع أمام سمير الشيخلي "وزير الداخلية" أمسك بصديق لي يلبس "جلابية"، أخرج الشيخلي سكيناً وشقّها من فتحة الصدر لتغدو الدشداشة عباءة، كان صاحبي محظوظاً لأن الشيخلي اكتفى باستخدام سكينه على الملبوس لا اللابس. طبعاً كان البعض غير مشمول بهذه القرارات، في الكلية رأيت طالبة تلبس ملابس فاضحة وكانت صديقة عديّ بن صدام، نهرها عميد الكلية يوماً "ما هذا الزيّ؟" فأجابته وهي تطقطق علكتها "زيّ الهوا"!في دول مثل هذه، تتفتق بدائيةُ عقول ساستها عن مقترحات بدائية للسيطرة على المجتمع، نتذكر هياج صالح عماش وطلفاح أوائل السبعينات في محاربة أزياء لا يحبونها وقرارات مجلس قيادة الثورة القاضية بمكافحة ما سمّي بـ"مظاهر التزلّف والتخنّث"!ليست مشكلة السلطة الحقيقية مع "التزلّف" والقمصان بنصف كم أو لون العمامة لكنّ هذه العقليات التسلطية تروم إشغال الناس وإلهاءهم ورؤية قدرتها على فرض سلطتها عياناً.حين تعلن حكومة ما أنها أولى بأجساد الناس من أنفسهم فإنها تمارس عليهم إخصاء، إكراهاً يلجم المعارضين، رسالة مؤداها إننا قادرون على احتلال الروح والعقل والجسد.أمس أعلن ضابط كبير أن وزارة الداخلية ستشنّ حملة للقضاء على ظاهرة الإيمو، الجديد أنه استنجد برجال دين لشرعنة الحملة.لا أستغرب أني ستكتحل عيناي قريباً برؤية وزير داخلية (الوزير وكالة لأن العراق آمن بحيث لا يحتاج إلى وزير داخلية بالأصالة) يتمشى في شوارع بغداد مع حمايته وفي يده عصا وفي اليد الأخرى سكين يشق بها الدشاديش. قال ماركس: التأريخ يكرر نفسه مرتين ،الأولى كمأساة ،والثانية كمسخرة. ولقد صدق ماركس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram